عالمي

أزمة الطاقة في أوروبا… لماذا تعاني بريطانيا أكثر من غيرها؟

بعد مرور أشهر قليلة على آخر زيادة في أسعار الطاقة، أعلن مكتب أسواق الغاز والكهرباء في بريطانيا، (اختصاراً “أوفجيم”) [الهيئة التنظيمية للقطاع] أن سقف أسعار الطاقة في أبريل (نيسان) المقبل سيرفع فواتير الأسر بمقدار 111 جنيهاً استرلينياً (141 دولاراً تقريباً)، أي بزيادة ستة في المئة عما كان مرتقباً وتسعة في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل المتوسط إلى 1849 جنيهاً استرلينياً (2344 دولاراً) سنوياً.

وبررت الهيئة الخطوة أن “ارتفاع أسعار الجملة للطاقة العالمية هو السبب الرئيس للزيادة”. لكن هذا الإعلان يشبه عذراً إذ إن بريطانيا تشهد بالفعل بعضاً من أعلى أسعار الطاقة في أوروبا، وإن عدداً كبيراً من العائلات وكبار السن يعانون في مواكبة هذا الوضع.

ولوضع ما يجري في سياقه، من بين 33 عاصمة أوروبية مدرجة في مؤشر أسعار الطاقة الخاصة بالأسر الذي نُشر في ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، كانت لندن رابع أغلى مدينة أوروبية في هذا الصدد بسعر 36.5 سنت [اليورو 100 سنت] لكل كيلووات ساعة، ولم تتفوق عليها سوى ألمانيا (40.23 سنت) والدنمارك (37.31 سنت) وبلجيكا (36.91 سنت).

حسناً، يعتمد هذا الرقم بالطبع على متغيرات عدة: مصدر الطاقة (الفحم والطاقة النووية والغاز ومصادر الطاقة المتجددة والنفط) وطريقة فرض الضرائب عليها وأي إعانات قد توفرها الحكومات في شأنها. ومع ذلك، إذا استبعدنا رسوم شبكات الطاقة والضرائب، تحتل ألمانيا المرتبة الـ10، أي مرتبة أدنى مقارنة ببريطانيا وإيطاليا وهولندا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويُحسب للرئيس التنفيذي لـ”أوفجيم”، جوناثان برايرلي، اعترافه بأن الزيادة “تضع العائلات تحت ضغط كبير وتزيد من الكلف على العملاء جميعاً”. لكنه أشار أيضاً إلى أن ديون الطاقة “بدأت خلال أزمة الطاقة ووصلت إلى مستويات قياسية وستستمر في التزايد من دون تدخلات”.

وهو محق بالطبع. لكن سيد برايرلي، هل لك أن تخبرنا متى سيؤتي هذا الاستثمار ثماره؟

بين استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “يوغوف” لمصلحة “العمل الوطني في مجال الطاقة” National Energy Action، وهي مؤسسة خيرية معنية بفقر الطاقة [صعوبة أو عدم قدرة الأسر على تحمل كلف تدفئة منازلها إلى درجة حرارة مناسبة]، أن ما يقارب نصف البالغين (49 في المئة) من المحتمل أن يعمدوا إلى ترشيد استهلاك الطاقة خلال الأشهر المقبلة. وهذا يعني أننا في أزمة.

وتدعو المؤسسة الخيرية إلى “دعم إضافي مستهدف لفواتير الطاقة من خلال تطبيق تعرفة اجتماعية أو توسيع نطاق ’الحسم المخصص للتدفئة المنزلية‘ Warm Home Discount، وهو نظام المساعدة في السداد لدعم الأسر للخروج من الديون، وإلى أن توفر ’خطة المنازل الدافئة‘ الحكومية استثماراً كبيراً لعزل المنازل الأكثر برودة للأسر الأكثر فقراً”.

أود أن أكون مخطئاً في توقعاتي، لكنني لست متأكداً من أن أي خطوة من هذه الخطوات سترى النور.

ويتلخص ما وعدت به “أوفجيم” في معالجة مسألة الرسوم الدائمة. وهذه عبارة عن رسوم ثابتة ندفعها جميعاً من ضمن فواتيرنا، في مقابل الاتصال بالشبكة وتغطية كلف التعريفات المخفضة والتحول الأخضر وما شابه ذلك. وتفيد “أوفجيم” بأن هذه الرسوم تنخفض في أجزاء من البلاد، لكن هذا لا ينطبق على كل المناطق.

المشكلة في الرسوم الدائمة أنها تحد من قدرة الفرد على خفض الكلف باستخدام طاقة أقل. والرسوم الثابتة قاسية بصورة خاصة بالنسبة إلى المستخدمين المقلين. وقد يكون المتقاعدون مثالاً على هؤلاء، لا سيما أولئك الذين يعيشون بمفردهم كما هي حال عدد كبير منهم.

وتخطط “أوفجيم” لإجبار الجهات المزودة لخدمات الطاقة كلها على عرض تعريفات تخلو من الرسوم الثابتة لكن القواعد الجديدة لن تدخل حيز التنفيذ حتى فصل الشتاء المقبل. ويمكن أن تكون هذه التعريفات باهظة الثمن أيضاً إلا للمستخدمين المقلين جداً.

وفق “يو سويتش”، وهو موقع إلكتروني متخصص في مقارنة الأسعار: “في معظم الحالات، من المنطقي أن يختار المرء خطة للتزود بالطاقة تتضمن رسوماً ثابتة لأنها تحمل قدراً أكبر من الخيارات وعادة ما تكون أرخص كلفة من الخطط التي لا تشمل رسوماً دائمة”.

وليعرف الناس ما إذا كانوا سيستفيدون أو لا من خطط كهذه، سيتعين عليهم أن يتقنوا تحليل أسعار الطاقة في حين تقلقهم هموم أخرى، مثل إطعام الأطفال وتسديد أقساط الرهون العقارية وكثير من الأعباء المالية الأخرى المترتبة على الحياة العصرية.

بالتالي ليست خطط “أوفجيم” حلاً سحرياً. هي مجرد لصقة طبية لن تخفف من النزيف المالي إلا جزئياً ولعدد محدود من الأشخاص. وعند هذه النقطة، قد يتساءل المستهلكون تماماً لماذا لا تنتقل الفوائد المترتبة على توليد الطاقة المتجددة إلى المستهلكين، وهي فوائد تصبح ضخمة بمجرد استيفاء كلف تركيب التوربينات.

ثمة تفسير تقني: يُحدد سعر الكهرباء بحسب مصدر الطاقة الأكثر كلفة بغرض تلبية الطلب الضروري. في المملكة المتحدة، هذا المصدر هو الغاز الذي يشكل نسبة أعلى في مزيج المصادر مقارنة بفرنسا، مثلاً، حيث حصة الطاقة النووية هي الأهم.

وغني عن القول إن هذه الطريقة لن تريح أولئك الذين يسددون فواتير مرتفعة للغاية وقد ينظرون باستغراب إلى توربينات الرياح التي تنتشر في بريطانيا ويتساءلون لماذا لا تفيدهم.

كما كتبت بالأمس، يزدهر الاقتصاد الأخضر في بريطانيا وهذا تطور مرحب به. فهو يساعد في تعزيز النمو الاقتصادي ويوفر كثيراً من الوظائف ذات الأجور الجيدة ويقلل من بصمة البلاد الكربونية. المشكلة هي أن المشروع سيفشل إذا فقد الناس الثقة به. وهذا ما سيحصل إذا لم يتمكنوا من رؤية فوائد ملموسة.

كذلك يُعدّ ارتفاع أسعار الطاقة آخر ما يحتاج إليه الاقتصاد. فسيؤثر في الشركات التي تعاني بالفعل الزيادات الضريبية التي فرضتها رايتشل ريفز، بينما ستظل ثقة المستهلكين المتراجعة للغاية على حالها.

يقوم العمل السياسي على حل المشكلات. وهذه هي المشكلة التي يحتاج وزير الطاقة إد ميليباند إلى التركيز عليها، وبسرعة. لن تنجح خطاباته الرنانة ولا تصريحات الهيئة التنظيمية الفاضلة ولا التفسيرات التقنية الرنانة في إقناع الجمهور الذي يزداد تذمره من دفع أسعار للطاقة تكاد أن تكون الأعلى في أوروبا.

أيها الوزير، قم بواجبك. عالج هذه المشكلة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى