الغاز والبرد يشعلان الغضب في تونس
تشهد تونس نقصاً حاداً في ضخ الغاز مع انخفاض الكميات المتوافرة من الغاز المسال المخصص للاستهلاك العائلي في شكل قوارير (أسطوانات غاز) تزامناً مع موجة البرد التي تشهدها البلاد.
وتحول هذا الاضطراب في الضخ إلى أزمة سنوية مرافقة لفصل الشتاء وفترات انخفاض درجات الحرارة، بحكم ارتفاع الطلب على الغاز المخصص للاستعمال الأسري للتدفئة، إضافة إلى الطبخ ما يظهر صعوبات متكررة في تغطية الاستهلاك عند ذروته في فصل الشتاء.
ويشار إلى أن عديد المحافظات التونسية تعيش موجة برد ودرجات حرارة منخفضة جداً، إضافة إلى تساقط الثلوج في عدد من المناطق.
وتشهد مراكز تعبئة الغاز المضغوط في مختلف المحافظات التونسية اكتظاظاً وطوابير طويلة للشاحنات المكلفة بالتوزيع بسبب نقص الكميات، ويشكو موزعو قوارير الغاز المنزلي (أسطوانات البوتوغاز) من نقص في الكميات المطلوبة من مراكز التعبئة.
ويقدر النقص ما بين 40 و50 في المئة في بعض المناطق، ويعود ذلك إلى موجة البرد مع تأخر وصول شحنات الغاز إلى الموانئ التونسية بسبب التقلبات الجوية التي أثرت في حركة سير السفن، وهو الأمر الذي أدى إلى اضطراب السوق، إذ لم يتمكن الموزعون من تغطية الطلب، مما أثر في نسق التزويد وأحدث اضطراباً كبيراً بعدد من المحافظات مثل تونس العاصمة وباغة وقفصة والقيروان وصفاقس واحتقان كبير وغضب بين التونسيين.
زيادة الاستهلاك بنحو 60 في المئة
وتعليقاً على ذلك، قال المدير العام للشركة الوطنية لتوزيع البترول “عجيل” (حكومي) خالد بتين، إن “3 بواخر محملة بالغاز المسال سترسو تباعاً هذا الأسبوع بالموانئ التجارية التونسية، لتزويد شركات التعبئة”، مضيفاً أن “مراكز تعبئة قوارير الغاز تسير بنسق سريع”.
وفي محاولة لطمأنه التونسيين قال بتين إن “عملية التزويد متواصلة ولا خوف من انقطاع للغاز”، مشيراً إلى أن كميات الإنتاج تناهز يومياً ما يقارب 180 ألف قارورة بين مراكز التزويد السبعة الموجودة بتونس.
أما وزارة الصناعة والمناجم والطاقة فقالت إنه تمت تعبئة طاقة الخزن القصوى بمختلف الوحدات التابعة لها من الغاز، في إطار حرصها على تزويد السوق المحلية بقوارير الغاز المعدة للاستهلاك المنزلي بكامل الجمهورية بالتنسيق مع الشركات التابعة لها على غرار الشركة التونسية لصناعات التكرير “ستير” والشركة الوطنية لتوزيع البترول “عجيل للطاقة” ووحدات التعبئة بكل من رادس وبنزرت (الشمال) وقابس (الجنوب)، التي تعمل من دون انقطاع وبفرق إضافية قصد الاستجابة للطلب المتزايد على قوارير الغاز، خصوصاً في ظل موجة البرد الحالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت الوزارة أنه تمت برمجة 12 باخرة محملة بشحن إضافية موزعة على المراكز الثلاثة منذ أسبوع حتى آخر الشهر الجاري لتلبية كل الطلبات، أيضاً رست بميناء بنزرت الأسبوع الماضي باخرة محملة بـ5300 طن من الغاز وأنها بصدد تفريغ حمولتها، إضافة إلى باخرة بميناء قابس بحمولة 4000 طن من الغاز المسال.
وكشفت الوزارة أن معدل الاستهلاك اليومي لقوارير الغاز المنزلي يبلغ 1600 طن، وسُجل رقم قياسي خلال هذه الفترة بـ2400 طن بزيادة 60 في المئة.
تراجع إنتاج الغاز الطبيعي
يشار إلى أن الأزمة تتعلق بقوارير الغاز المضغوط وهو غاز النفط المسال ومستعمليه في تونس الذين لم يتم ربطهم بشبكة مد الغاز الطبيعي، إذ توفر الشركة التونسية للكهرباء والغاز، الغاز الطبيعي لـ1.2 مليون عميل فحسب، يتوزعون ما بين أسر ووحدات صناعية وهي بصدد العمل على توسيع هذه التغطية لربط جميع المناطق بالغاز الطبيعي، في سعي الدولة التونسية لخفض الاعتماد على الغاز المسال بحكم طبيعته الملوثة للبيئة والخطرة عند الاستعمال، وكذلك للضغط على هذه الأزمات المتكررة المتعلقة بالغاز المسال بحكم ارتباطه الوثيق بنسق التوريد. وأعلنت الشركة الوطنية عن ربط 20 مدينة بشبكة الغاز الطبيعي عام 2025.
في حين سجل إنتاج الغاز الطبيعي في تونس تراجعاً 25 في المئة حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وبلغ 1.12 مليون طن موازي نفط مقابل 1.49 مليون طن موازي نفط في الفترة نفسها من عام 2023، وفق المرصد الوطني للطاقة والمناجم (حكومي)، بسبب تواصل تراجع إنتاج مختلف حقول الغاز والقيام بعمليات صيانة بأهم الحقول الأخرى وهما “نوارة “و”ميسكار”.
وانخفضت كميات الغاز المتأتية من الإتاوة نظراً لمرور أنبوب الغاز الجزائري بنسبة 11 في المئة في الفترة نفسها من عام 2024 لتصل إلى 824 ألف طن مكافئ نفط مقابل 922 ألف طن مكافئ نفط حتى نوفمبر 2023، وتراجعت الشراءات من الغاز الجزائري 3 في المئة لتبلغ 2.1 مليون طن مكافئ نفط.
في حين بلغ الطلب على الغاز الطبيعي 4.1 مليون طن حتى نوفمبر 2024 منخفضاً 5 في المئة عن الفترة نفسها من عام 2023، ويعود ذلك إلى نقص الطلب على إنتاج الكهرباء من الغاز 6 في المئة بسبب اللجوء إلى توريد الكهرباء مباشرة من الجزائر على خلفية محدودية توافر الغاز. وتصل حصة الطلب على الغاز لإنتاج الكهرباء 71 في المئة، بينما سجل استهلاك الغاز انخفاضاً طفيفاً 0.4 في المئة.
ويمثل غاز البترول السائل 4 في المئة من الطاقة المتاحة في السوق وفق المرصد الوطني للطاقة، في حين يتم توريد بقية الحاجات لتوفير طلب المناطق غير المغطاة بالغاز الطبيعي وغير مربوطة بشبكة الغاز، إذ تغطي شبكة الغاز الطبيعي في تونس 73 في المئة من متطلبات إنتاج الكهرباء، و16 في المئة من كبار المستهلكين من قطاعي الصناعة والخدمات و11 في المئة من صغار المستهلكين وهي الأسر والشركات الصغرى وفق عز الدين خلف الله الخبير الطاقي لدى البنك الدولي والمدير العام السابق لوكالة “التحكم في الطاقة” في تونس (حكومية).
وأرجع خلف الله في حديثه إلى “اندبندنت عربية” الأزمة الحالية إلى عمليات توريد الغاز المسال التي تخضع لاعتبارات عدة، مثل عوامل الطقس التي تتسبب في تأخر رسو البواخر المحملة به، وهو غاز بيتان بروبان الذي تتم تعبئته بالقوارير في تونس ويخصص للاستهلاك المنزلي بنسبة كبيرة، إذ يعبأ في وحدات تعبئة ثلاث هي بنزرت قابس ورادس، ثم توزع الكميات عبر الشركات الثلاث المعتمدة في تونس وهي الشركة الوطنية لتوزيع البترول “عجيل” وشركتي القطاع الخاص “توتال” و”شال”.
وأشار إلى أن هذا الصنف من الغاز تعبأ قوارير صغيرة منه لاستهلاك الأسر وقوارير أكبر حجماً للمستهلكين الكبار مثل المستشفيات والفنادق كذلك بعض وسائل النقل المعتمدة للغاز المسال، ويوفر الجزء الأوفر بمحطات الخدمات مباشرة للمستهلكين.
وبالعودة إلى الإنتاج المحلي من هذا الغاز قال خلف الله أنها ضئيلة ويتم اللجوء إلى الاستيراد في الغالب، وهي تقتصر على إنتاج كميات قليلة بمصفاة النفط بجرزونة (الشمال) بحكم توازي عملية التكرير باستخراج كميات من بيتان بروبان غاز، كذلك حقول الغاز الطبيعي التي تنتج بعض الكميات من الغاز المسال.
وحول عمليات الاستيراد، أشار خلف الله إلى أنها تتم من مصاف بالبحر المتوسط وهي متأتية من إنتاجها الخاص أو من حقول مختلفة، في حين يتمثل الإشكال الأساس في عدم توافر طاقة تخزينية تضمن التعامل بصفة استباقية مع ارتفاع الطلب على الغاز المسال في تونس، لافتاً إلى أن تونس تواجه هذه المعضلة سنوياً عند تضاعف الطلب على التدفئة بسبب عدم القدرة على تخزين الكميات الكافية على خلفية الكلفة العالية لوحدات التخزين لدى القطاعين العام والخاص، إذ لا تزيد طاقة التخزين على 3 أسابيع.