رسوم ترمب الجمركية تدفع أوروبا إلى الاستعداد لمعركة تجارية
تدفع تحذيرات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب حول الرسوم الجمركية أوروبا إلى مواجهة معضلة صعبة، فإما الحفاظ على الرسوم الجمركية المنخفضة وتحمل التبعات الاقتصادية، وإما فرض حواجز تجارية جديدة لحماية القطاعات الاقتصادية الضعيفة.
وكثيراً ما دافع الاتحاد الأوروبي عن نظام قائم على القواعد لدعم التجارة الحرة، وهو ما تجلى أخيراً في تحقيق اختراق في شأن اتفاق تجاري كبير مع أربع دول في أميركا الجنوبية، ومع ذلك دفعت خطة ترمب لاستخدام الرسوم الجمركية كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في مزيج من الحوافز والإجراءات المضادة للرد على تلك السياسات.
ويحرص الاتحاد الأوروبي على تجنب اندلاع حرب تجارية شاملة، لا سيما أن الولايات المتحدة تعد الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي، إذ تبلغ قيمة التجارة الثنائية ومبيعات الشركات التابعة بين الطرفين نحو 8.7 تريليون دولار، وفقاً لغرفة التجارة الأميركية في الاتحاد الأوروبي.
ومن شأن أي خطوة من الولايات المتحدة لفرض رسوم جمركية عالمية تصل إلى 20 في المئة، كما هدد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أن تلحق أضراراً بالغة باقتصاد أوروبا المتعثر بالفعل، وتؤثر في صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة.
قد تؤدي الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة على الصين إلى معاودة توجيه المنتجات الرخيصة نحو الأسواق الأوروبية، مما يضاعف التحديات أمام الشركات المصنعة المحلية في الاتحاد الأوروبي.
أوروبا وخيارات الرد
ويأمل المسؤولون في الاتحاد الأوروبي في تجنب بعض هذه التهديدات من خلال اقتراحات تتضمن التزامات بشراء مزيد من الغاز الطبيعي المسال الأميركي والإمدادات الدفاعية إلى جانب عرض للتعاون مع إدارة ترمب في مواجهة بكين، كما يمكن أن يتعهد الاتحاد الأوروبي بتحمل جزء أكبر من العبء المالي لدعم أوكرانيا، إضافة إلى زيادة الدول الأعضاء لنفقاتها العسكرية.
وفي حال لم تنجح تلك المساعي أعد الاتحاد الأوروبي مجموعة من الخيارات للرد بالمثل، حيث أفاد دبلوماسيون بأن هذه الخيارات قد تشمل فرض رسوم جمركية تستهدف منتجات من ولايات أميركية حساسة سياسياً.
وعندما فرضت إدارة ترمب الأولى رسوماً على الصلب والألمنيوم الأوروبي عام 2018 رد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على منتجات أميركية تقليدية، من بينها مشروب “بوربون” ودراجات “هارلي – ديفيدسون” النارية.
في حين أن إحدى التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي هي عدم القدرة على التنبؤ بتحركات الرئيس الأميركي المنتخب، مما يجعل من الصعب التحضير لأي قرارات قد يتخذها بعد توليه المنصب. وتختلف آراء مستشاري ترمب حول فاعلية الرسوم الجمركية، إذ يحذر البعض من أخطار التضخم الناتجة من فرض رسوم شاملة.
وقد ترتبط خطط ترمب التجارية بتوترات أوسع مع الاتحاد الأوروبي في شأن الأمن الإقليمي، ودعم أوكرانيا واهتمامه بغرينلاند. ويستعد المسؤولون الأوروبيون لمناقشة مجموعة من القضايا مع الإدارة الأميركية الجديدة مع السعي إلى تقديم الاتحاد الأوروبي كشريك يمكنه المساعدة في تحقيق بعض أهداف ترمب.
ويخطط الاتحاد الأوروبي للعمل مع إدارة ترمب المقبلة لتحقيق نتائج متبادلة المنفعة، وفقاً لما صرح به متحدث باسم المفوضية الأوروبية، الجهاز التنفيذي للاتحاد، الجمعة الماضي، لكنه أضاف، “إذا لزم الأمر سندافع عن صناعاتنا المشروعة وشركاتنا ودولنا الأعضاء”.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي الذي يعد منطقة تجارة حرة في جوهره نهجاً قائماً منذ زمن طويل على رؤية كان يدعمها سابقاً الرئيسان الأميركيان رونالد ريغان وبيل كلينتون تفيد بأن التجارة الحرة هي طريق نحو الأمن العالمي والنمو الاقتصادي، وعادة ما يتضمن رد الاتحاد على النزاعات التجارية تحقيقات مطولة وردود فعل متناسبة.
على سبيل المثال بدلاً من الانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على السيارات الكهربائية الصينية العام الماضي أجرى الاتحاد الأوروبي تحقيقاً استمر أشهراً عدة حول الدعم الحكومي الصيني، مما أدى إلى فرض رسوم إضافية تصل إلى نحو 35 في المئة، وقاوم في وقت سابق جهود إدارة بايدن لإقناعه بالانضمام إلى فرض رسوم عقابية على الصلب الصيني، جزئياً بسبب مخاوفه من الامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية.
مع ذلك إذا مضى ترمب في تنفيذ بعض تهديداته التجارية، مما قد يعيد تشكيل تدفقات التجارة العالمية فقد يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً لرفع حواجزه، وتشمل الردود المحتملة فرض رسوم انتقامية ضد الولايات المتحدة وفرض رسوم جديدة على الصين، إما لاسترضاء الولايات المتحدة، وإما للدفاع عن نفسه من ارتفاع الواردات الصينية.
إعادة ابتكار منظمة التجارة العالمية
وقالت محللة التجارة في جامعة “جورج تاون” والمسؤولة السابقة في منظمة التجارة العالمية جينيفر هيلمان لصحيفة “وول ستريت جورنال”، “سياسياً، من الصعب جداً أن يطلب من الاتحاد الأوروبي أن يتحمل الأمر دون رد”. وأوضحت أنها تتوقع أن يصمم الاتحاد الأوروبي ودول أخرى أي ردود بطريقة تلتزم قدر الإمكان بقوانين منظمة التجارة العالمية وتتجنب التصعيد، مضيفة، “لكن ليس لديهم كثير من الأوراق الجيدة للعب”.
وحتى الصفقة التي قد تمنع فرض رسوم أميركية قد تتطلب براغماتية، وقال دبلوماسي أوروبي، “نريد الالتزام قدر الإمكان بالنظام القائم على القواعد ومنظمة التجارة العالمية، لكن سيكون من الصعب فعل ذلك عند التفاوض مع ترمب لأنه لا يهتم”.
وتتولى بروكسل مسؤولية السياسة التجارية، لكن الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي ستحدد في نهاية المطاف نهجها، مما قد يعقد استجابة الاتحاد، فبعض الدول تسعى جاهدة إلى تهدئة التوترات عبر الأطلسي، بينما قد ترى أخرى فوائد سياسية في الرد بقوة.
وخلال السنوات الأخيرة أنشأ الاتحاد الأوروبي مجموعة من الأدوات لمنحه خيارات أوسع للتعامل مع التوترات التجارية والاقتصادية، وتشمل هذه الأدوات صلاحيات جديدة للتعامل مع الإكراه الاقتصادي ومواجهة ممارسات المشتريات التي يعدها غير عادلة، ويتضمن قانوناً جديداً يسمح للاتحاد الأوروبي بمنع شركات معينة من الفوز بعقود عامة كبيرة إذا كانت قد تلقت دعماً خارجياً يعده مشوهاً للمنافسة، وهو ما أثار شكاوى من الصين.
مع ذلك قد لا تكون هذه التغييرات كافية لبعض القادة الأوروبيين، فقد شكك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً في إصرار الاتحاد على الالتزام بقواعد التجارة العالمية، مشيراً إلى أن رسوم الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية الصينية ليست كافية لحماية الصناعة.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الشهر، “لم تعد قواعد منظمة التجارة العالمية محترمة، سواء من الصين أو الولايات المتحدة الأميركية”، مضيفاً، “الأمر لا يعمل”.
بدوره أكد مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش التزام الاتحاد بمنظمة التجارة العالمية، لكنه أشار إلى ضرورة إجراء تغييرات عليها، وقال خلال زيارته هذا الشهر إلى مقر المنظمة في جنيف، “علينا إعادة ابتكار منظمة التجارة العالمية لتتمكن من التغلب بنجاح على المشكلات التي تواجه النظام التجاري اليوم”.
تعزيز تجارة أوروبا مع مناطق العالم الأخرى
ويرى بعض المسؤولين ومحللي التجارة أن تهديدات ترمب تعزز من حافز الاتحاد الأوروبي لمضاعفة جهوده لتعزيز التجارة الحرة مع بقية العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونجح مسؤولو الاتحاد الأوروبي في تأمين اتفاق مبدئي في ديسمبر (كانون الأول) 2024 مع الدول الأربع المؤسسة لاتحاد “ميركوسور” الجمركي في أميركا الجنوبية، وذلك بعد سنوات من المفاوضات، على رغم المعارضة الفرنسية والبولندية، وأعلن الاتحاد الجمعة الماضي عن صفقة محدثة مع المكسيك تهدف إلى خفض الرسوم الجمركية والعوائق التجارية بين الاقتصادين في حال الموافقة عليها.
وقالت المفوضة السابقة للتجارة في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم، والتي تزامنت ولايتها مع رئاسة ترمب الأولى، “سيشعر عديد من الدول بالحاجة إلى التعاون معاً، إذا عملنا معاً، يمكننا أن نكون أقوى”.
ووجد تقرير حديث صادر من معهد “كيل” للاقتصاد العالمي، ومقره ألمانيا، أن الاقتصاد الأوروبي سيتأثر بصورة أكبر بانهيار النظام التجاري القائم على القواعد مقارنة بتأثير الرسوم الأميركية وحدها.
وأشارت مديرة معهد الأبحاث الاقتصادية النمسوي وأحد مؤلفي التقرير سيسيليا مالمستروم إلى أن على الاتحاد الأوروبي السعي إلى الحفاظ على النظام التجاري العالمي قدر الإمكان، قائلاً “عدم القيام بذلك سيضر بمصالح الاتحاد التجارية مع عديد من الدول الأخرى”.