اقتصاد التنين الصيني في طريقه إلى التعافي من صدمة الركود
عززت عودة النمو في قطاع التصنيع وانتعاش السفر خلال عطلة “الأسبوع الذهبي” السنوية في الصين الآمال في أن يستعيد اقتصاد بكين الزخم بعد تباطؤ كبير هذا العام.
وتظهر البيانات ارتفاع مؤشر مديري المشتريات الصناعي الرسمي في الصين إلى مستوى 50.2 نقطة من 49.7 نقطة في أغسطس (آب) الماضي للمرة الأولى منذ مارس (آذار) الماضي، وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء في الصين.
وتشير قراءة مؤشر مديري المشتريات فوق 50 نقطة إلى النمو أو التوسع، في حين أن أي قراءة أدناه تمثل انكماشاً اقتصادياً.
إلى ذلك تسارع النشاط في قطاعي الخدمات والبناء الشهر الماضي، بحسب مؤشر منفصل بلغ مستوى 51.7 نقطة، وهو أفضل مستوى له في ثلاثة أشهر، وأظهر مقياس خاص للنشاط أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم مستمر في النمو وإن كان بوتيرة أبطأ من الشهر السابق، إذ أفادت بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادرة عن “ستاندرد أند بورز غلوبال” و”سيكستين ميديا” بأن قطاعي التصنيع والخدمات يفقدان بعض الزخم.
ويعتقد اقتصاديون بأن المسح الرسمي لمؤشر مديري المشتريات يغطي في الغالب الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، في حين تركز قراءة “سيكستين ميديا” على الشركات الخاصة الأصغر حجماً وتضاف قراءات مؤشر مديري المشتريات إلى حزمة الدلائل التي تشير إلى أن الاقتصاد الصيني قد يستعيد الزخم مرة أخرى بعدما تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.8 في المئة فحسب للربع الثاني مقارنة بالربع الأول، مع تلاشي طفرة ما بعد الوباء وفقد المستهلكين الثقة واستمرار تراجع قطاع العقارات.
انتعاشة قوية لحركة السفر
في غضون ذلك منحت أرقام السفر الكبيرة المحللين سبباً للتفاؤل الحذر، مع بدء الصين الجمعة الماضي أطول فترة من العطلات الرسمية هذا العام لمدة ثمانية أيام حتى السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وتجمع هذه العطلة بين مهرجان منتصف الخريف وعطلة العيد الوطني السنوية في بداية أكتوبر الجاري.
في اليوم الأول من العطلة، تعاملت السكك الحديد الوطنية في البلاد مع 20.1 مليون رحلة، مسجلة رقماً قياسياً جديداً، وفقاً للبيانات الصادرة عن مجموعة السكك الحديد الحكومية.
وتتوقع وزارة النقل الصينية أن تصل حركة المرور على الطرق السريعة أيضاً إلى مستوى قياسي مع ما يقدر بنحو 66 مليون مركبة على الطرق.
وخلال فترة العطلة بأكملها، كان من المرجح إجراء 896 مليون رحلة محلية عبر السكك الحديد والجو والطرق والممرات المائية بزيادة تبلغ نسبتها 15 في المئة عن عام 2019، عندما استمرت عطلة العيد الوطني سبعة أيام، وفقاً لوزارة الثقافة والسياحة.
وقدّرت الوزارة بأن يصل إجمالي إنفاق السائحين المحليين إلى 782.5 مليار يوان (109 مليارات دولار) خلال هذه الفترة بزيادة 20 في المئة على عام 2019 قبل أن تمنع عمليات الإغلاق الوبائية معظم الناس من السفر.
ويأمل المسؤولون الصينيون في أن يساعد السفر المحلي القياسي في تعزيز الاقتصاد الذي يعاني الطلب المحلي الفاتر منذ نهاية القيود الصفرية لفيروس كورونا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت البيانات الأخيرة علامات استقرار بعدما كثفت الحكومة جهودها لتحفيز الإنفاق الاستهلاكي وتسريع مشاريع البنية التحتية، وقفزت أرباح الشركات الصناعية بنسبة 17.2 في المئة خلال شهر أغسطس الماضي بعد انخفاض بنسبة 6.7 في المئة خلال شهر يوليو (تموز) 2023.
في تلك الأثناء ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 4.5 في المئة خلال أغسطس الماضي مقارنة بالعام السابق، متسارعاً من النمو المسجل في يوليو الماضي بنسبة 3.7 في المئة، وصعدت مبيعات التجزئة بنسبة 4.6 في المئة خلال أغسطس الماضي وهو أسرع نمو منذ مايو (أيار) 2023.
أخطار تحاصر الناتج المحلي الإجمالي
في الوقت نفسه قال محللون في بنك “نومورا” ضمن مذكرة بحثية حديثة “نرى أدلة متزايدة على استقرار النمو على المدى القريب”، وأرجعوا ذلك جزئياً إلى مجموعة إجراءات نفذتها بكين لدعم الاقتصاد بينما امتنعت عن التحفيز الضخم خوفاً من ارتفاع مستويات الديون.
وشملت حزمة الإجراءات التي أقرت في يوليو الماضي خفض أسعار الفائدة وإلغاء القيود المفروضة على شراء المنازل وشراء السيارات والسماح للحكومات المحلية بتسريع الاقتراض للاستثمار في البنية التحتية.
فيما قال محللو “سيتي بنك”، “نحن مقتنعون أيضاً بالقاع الدوري ونرى أخطاراً صعودية على توقعاتنا للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.7 في المئة لعام 2023”.
وقبل أيام، ذكر البنك الدولي أن الصين لا يزال بإمكانها تحقيق نمو بنحو خمسة في المئة هذا العام، مما يحقق هدف النمو الذي حددته حكومتها، إذ أوضحت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك أن “البنك رصد علامات استقرار في الاقتصاد الصيني ضمن البيانات الأخيرة”، في حين خفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني لعام 2024 إلى 4.4 في المئة من 4.8 في المئة”، مشيرة إلى الصعوبات المستمرة التي تواجه الاقتصاد الصيني مثل ارتفاع الديون وأزمة سوق العقارات وشيخوخة السكان.
وأظهرت الإحصاءات الأولية من “فوروارد كيز” مزود بيانات السفر العالمي الأسبوع الماضي أن السفر الصيني داخل آسيا انخفض بنسبة 33 في المئة عن مستويات ما قبل الوباء، وقالت حكومة المدينة خلال عطلة نهاية الأسبوع، “في اليوم الأول من عطلة الأسبوع الذهبي، كان عدد السياح الصينيين الذين يدخلون إلى هونغ كونغ لا يزال أقل من نصف مستوى عام 2018”.
إلى ذلك لم يخرج قطاع العقارات من عثرته بعد، إذ تصاعدت المشكلات في مجموعة “إيفرغراند”، شركة التطوير الأكثر مديونية في العالم، بعد اعتقال رئيسها شو جيايين قبل أن يخضع لإجراءات إلزامية للاشتباه في ارتكابه جرائم، وفقاً للشركة الأسبوع الماضي، مما ألقى بظلال من عدم اليقين على مستقبل عملاق العقارات المحاصر، وعن ذلك قال محللو “نومورا”، “على رغم علامات الاستقرار، إلا إننا حذرون في شأن النمو”.