عالمي

هل تقود “شوكولاتة الجزائر” إلى مراجعة شراكة بروكسل؟

يثير حظر منتج جزائري شهير من السوق الفرنسية تساؤلات حول قدرة المنتجات من جنوب المتوسط على اقتحام الأسواق الأوروبية ومنافسة عمالقة صناعة الأغذية الزراعية، في ظل السياسة الحمائية الصارمة تجاه المنتجات الغذائية المستوردة، التي دفعت لفتح نقاش في الجزائر حول ضرورة مراجعة اتفاقية الشراكة مع بروكسل.

ففي حين كثر الحديث في الجزائر عن تشجيع الصادرات غير النفطية، خرجت شركة “المرجان” لتثبت للجميع أن حجز موقع للشوكولاتة المصنعة محلياً في أسواق أوروبا ممكن، غير أن حظر تصديرها إلى 27 دولة بدعوى عدم استيفائها للوائح الاتحاد الأوروبي شكل صدمة واستنكاراً شديدين من قبل منظمات ونشطاء جزائريين.

مزارع مسمومة

يُباع المنتج في الجزائر منذ عام 2021، وفي فرنسا منذ العام الماضي، وقد حقق انتشاراً مبهراً خلال صيف عام 2024 بفضل “مؤثرين” أغرقوا شبكات التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو، وهم يعقدون مقارنات مع مواد أخرى من النوع نفسه ذائعة الصيت عالمياً.

يوضح رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين علي باي ناصري، لـ”اندبندنت عربية” سبب تمكن الشحنات الأولى من شوكولاتة الدهن الجزائرية من الدخول إلى فرنسا بلا مشكلات، إذ “لم يتم التدقيق في هذه المادة، لأن باريس تعتقد أننا بلد غير مصدّر لأي شيء باستثناء النفط والغاز، وتنبهت فقط عندما اكتسح المنتج أسواقها ووصل التهافت عليه حداً غير مسبوق”.

 

 

يشير ناصري إلى وجود تسع مواد ذات أصل حيواني ونباتي تشدد الإجراءات الحمائية لمنع دخولها، ويتعلق الأمر بالمواد التي تحوي الحليب واللحوم الحمراء والدجاج والبيض، معللاً ذلك لدى الأوروبيين بإمكانية رعي المواشي في أماكن ربما تكون سامة قد تنقل العدوى إلى الحيوانات والبشر في أوروبا.

ويتساءل كيف لم تستفد بعض المواد الغذائية الجزائرية من تراخيص دخول أسواق الجهة الأخرى من المتوسط، مقارنة مع تونس التي تسمح لها بروكسل بمادتين أو ثلاث لتصديرها.

اللوبيات التجارية

قبل قضية “المرجان” كشف المسؤول عن حوادث سابقة منذ عام 2011، حيث تم حظر تصدير البسكويت والبيض والألبان، مؤكداً أنه لو تم التسويق لمنتجات شركة “صومام” المحلية المتخصصة في إنتاج الألبان إلى فرنسا لانهارت الأسعار في أسواقها بصورة كبيرة نظراً إلى جودتها ولوجود جالية جزائرية مهمة هناك.

لتجاوز هذه الحواجز يؤكد مسؤول الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، غياب الإرادة لدى الجانب الأوروبي لتسهيل التبادل التجاري، “فلو كانت هناك نوايا صادقة لتم إخضاع المواد المستوردة لتحاليل المخابر على مستوى المنافذ الجمركية، وفي حال ما إذا وُجدت ضارة يتم منعها”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحوي عجينة “المرجان” نسبة 12 في المئة من الحليب المجفف، وهذا المكون مصدره فرنسا، ولكن يتم تحويل المنتج في الجزائر، ومع ذلك حظر تصديرها إلى القارة تطبيقاً للوائح الاتحاد الأوروبي لعام 2022.

وأعلنت وزارة الزراعة الفرنسية أمس الثلاثاء، تشديد إجراءاتها الحمائية لمنع دخول المنتج الجزائري المحظور في الاتحاد الأوروبي، وقالت في بيان إنه في ظل عدم استيفاء الجزائر جميع الشروط اللازمة للسماح لها “بتصدير سلع تحوي مشتقات حليب مخصصة للاستهلاك البشري إلى الاتحاد الأوروبي بحسب المتطلبات الأوروبية المتعلقة بالصحة الحيوانية وسلامة الغذاء”، فإن استيراد هذه السلعة “ليس مسموحاً بموجب الإطار التنظيمي المعمول به”.

ودفع قرار المنع رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك مصطفى زبدي، للدعوة لحماية المنتوج الجزائري بسبب ما سماه بـ”ضغوط اللوبيات التجارية التي تعرقل انتشاره”.

المبررات الفرنسية

وذكر زبدي في بيان على صفحته الرسمية، أن المعلومات الواردة تشير إلى أن “هذا الإجراء استند إلى (المادة 20)، الفقرة الثالثة من لائحة الاتحاد الأوروبي (رقم 2020/2292)”. وتتعلق بالشروط الواجب توفرها لدخول المنتجات الحيوانية ومشتقات الحليب الموجهة للاستهلاك البشري إلى الاتحاد الأوروبي.

وعبّر عن غضبه بقوله إن المنتوج كان يتم تداوله بحرية في الأسواق الأوروبية، ولكن بمجرد أن بدأ يشكل خطراً على منتوجاتهم المفضلة، اتخذوا الإجراءات اللازمة وأجروا كل التحاليل الضرورية، مما أدى إلى صدور اللوائح التي تعوق تصديره، مشيراً إلى أن منظمة حماية المستهلك ستتخذ موقفاً صارماً في هذا الشأن بمجرد الحصول على الوثائق الرسمية التي تؤكد قرار المنع.

 

 

أيضاً لم تقنع المبررات الفرنسية ناصري، الذي استعجل الجزائر الدفع نحو تعديل اتفاقية الشراكة التي تتيحها (المادة 107)، ويُقصد بها أن أية دولة لا تحقق الأهداف المنتظرة من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من حقها طلب فسخ الاتفاق.

ويعود توقيع الاتفاق الاقتصادي والتجاري بين الجزائر والاتحاد الأوروبي إلى 2002، ودخل حيز التنفيذ عام 2005، وبعد مرور أعوام على الاتفاقية اعتبرها الجانب الجزائري “ظالمة وغير عادلة، ومعطلة للاقتصاد الوطني”، في مقابل إبداء خبراء اقتصاد رفضهم دخول كل المنتجات الأوروبية إلى الجزائر بينما يواجه المنتج المحلي عقبات كبيرة لدخول السوق الأوروبية بحجة ضوابط الجودة والسلامة الصحية المفروضة من دول الاتحاد.

حرية التجارة

وترى الحكومة الجزائرية أن اتفاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي عادت بالنفع على شركائها الأوروبيين فقط، وحرمتها من تحصيلات جبائية بسبب نظام تفكيك التعريفة الجمركية على السلع الأوروبية.

بدوره، لفت المستشار الاقتصادي عبدالقادر سليماني، النظر إلى مؤشرات إيجابية تخص جودة السلع الجزائرية التي لاقت رواجاً كبيراً مثل “المرجان”، وهو ما اعتبره دليلاً على أن المنتج المحلي مطلوب كثيراً في الأسواق الخارجية.

بحسب سليماني، يقود الأمر إلى موضوع الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وقال إن “الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون شدد على أنها يجب أن تكون ضمن قاعدة رابح رابح”، بعدما أعطى تعليمات بإعادة تقييم بنود اتفاق الشراكة الذي بدا وكأنه يسير في اتجاه واحد وفي صالح بروكسل، كما يتعين العمل على تسهيل دخول المواد المعروفة بجودتها، والمعروفة بالـ”أيزو”، إلى الأسواق الأوروبية.

ولفت إلى حملات تم شنها في القارة العجوز، وخصوصاً في فرنسا التي حاولت فرض قيود جمركية وضرائب من أجل منع دخول المنتجات المحلية إلى الأسواق الأوروبية.

ومعروف عن الاتحاد الأوروبي فرضه جداراً تجارياً على بعض المنتجات الصينية وبعض الدول التي تلقى سلعها رواجاً، وهذا ما يرى الاقتصادي الجزائري أنه أمر “يتنافى مع حرية تنادي بها بروكسل في مجال التجارة وحرية السوق المشتركة ودخول المنتجات القادمة من الدول العربية والفقيرة”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى