عالمي

منظومة الأمن الغذائي التونسي تفقد أركانها الأساسية

زادت وتيرة اضطراب إمداد السوق التونسية باللحوم البيضاء والحليب في السوق التونسية، ليصبح النقص المسجل بهذه المواد متكرراً في فترات متباينة من العام، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار هذه المواد التي تعد أساسية لدى الأسر التونسية، بعد أن أضحت اللحوم الحمراء عصية على شريحة مرتفعة من المستهلكين بسبب شطط أسعارها، في انعكاس طبيعي لعدم التوازن ما بين العرض والطلب على خلفية نقص الإنتاج.

في وقت سابق، مثلت القطاعات الموفرة لإنتاج الحليب واللحوم بأنواعها مصدر فخر لتونس على مدار عقود سابقة، بعدما حققت الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى منتجات ذات جودة عالية موجهة للتصدير.

وتتعلق الأزمة بمنظومات للإنتاج التي طاولتها أزمات متراكمة، إضافة إلى المعطيات المناخية من دون تدخل ضروري للدولة لإنقاذها.

اشتعال الأسعار على رغم التسعيرة المحددة

وتدخلت وزارة التجارة التونسية بتنفيذ حزمة من الإجراءات بهدف تجاوز الأزمة التي شهدها قطاع الدواجن في الفترة الماضية، من خلال تعديل مستويات الإنتاج بزيادتها إلى حدود 13400 طن في الشهر، مقابل معدل استهلاك شهري يقدر بـ12500 طن، ووجهت العرض من الكميات الإضافية نحو المناطق التي تشكو نقصاً في لحوم الدواجن  بأسعار تفاضلية. وكانت الوزارة قد حددت الأسعار القصوى لبيع منتجات الدواجن ولحوم الأبقار، في إطار مقاومة الارتفاع المشط (المستمر) للأسعار ودعم القدرة الشرائية للمستهلك. ووضعت الأسعار القصوى لبيع الدجاج الجاهز للطبخ بـ7.5 دينار (2.4 دولار) الكيلوغرام في المذابح، و8.5 دينار (2.76 دولار) للمستهلك النهائي، وشرائح الديك الرومي وشرائح الدجاج بـ14.5 دينار (4.72 دولار) للكيلوغرام الواحد في المذابح و16 ديناراً (5.2 دولار) الكيلوغرام الواحد للمستهلك.

أما الأسعار المحددة لبيع لحوم الأبقار المنتجة محلياً فتراوح ما بين 38 ديناراً (12.37 دولار) و30 ديناراً (9.77 دولار) للكيلوغرام، لكن لم يتم احترام هذه التسعيرة.

وأعلنت الوزارة عن متابعتها لعملية تزويد السوق بمادة الحليب من طريق أخذ الاحتياطات الضرورية لتأمين تزويد السوق بنسقه العادي والتدخل الحيني في كل جهات البلاد لتفادي أي اضطراب.

يشار إلى أن فترة النقص تلت ذروة الإنتاج في فصل الصيف، وتسبب المخزون التعديلي الذي لا يزيد على 20 مليون ليتر في نقص في العرض في ظل تراجع كبير في الإنتاج، على خلفية نقص القطيع أمام ارتفاع الاستهلاك، مما انعكس سلباً على حلقة إنتاج الحليب واللحوم الحمراء.

وتراجع الإنتاج اليومي من مليوني ليتر إلى نحو 1.2 مليون ليتر من الحليب، وهي كميات غير كافية لاستهلاك يومي يصل إلى 1.8 مليون ليتر.

يشار إلى أن تونس كانت تشهد وفرة في الإنتاج وبلغت صادراتها في عام 2017 نحو 18 مليون ليتر، علاوة على تجفيف 16 مليون ليتر.

في غضون ذلك، كشفت رئيسة جمعية منظومة الألبان (مستقلة) هاجر شباح، إن “تربية الأبقار تراجعت 30 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة بسبب الجفاف، ليصل إلى ما يقارب 350 ألف أنثى بقر منتجة، مقابل 600 ألف خلال العقد الماضي وللحفاظ على الثروة الحيوانية والنسيج الاقتصادي المرتبط بها وجب معالجة جميع جوانب الإنتاج من ظروفها التي ينشط فيها 112 ألف مربٍ إلى الأغذية الزراعية والصناعية”.

خسائر ومديونية

في الأثناء، دعت النقابة التونسية للفلاحين (مستقلة) إلى ضرورة مراجعة السعر المرجعي للحليب والعمل على إعادة تكوين القطيع، خصوصاً بعد أن فرط العديد من الفلاحين في قطيعهم بسبب عجزهم عن تغطية كلفة الإنتاج.
ولا يزيد السعر المرجعي للحليب عن 1.340 دينار (0.436 دولار)، في حين أن كلفته الحقيقية تراوح ما بين 1.6 دينار (0.521 دولار) و1.8 دينار (0.586 دولار).

من جانبه، فسر الخبير الزراعي كمال العدواني الاضطراب في الإمداد في اللحوم الحمراء والحليب بالتفريط في القطيع من طريق الذبح العشوائي والتهريب إلى الجزائر، موضحاً أن “هذه التصرفات من قبل المنتجين نتيجة نقص الأعلاف وارتفاع أسعارها وهي نفس خلفيات اضطراب أسواق اللحوم والدواجن وارتفاع أسعارها، مما أدى إلى تراجع قطيع الخرفان والأبقار على حد السواء إلى تراجع العرض، بالتالي ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء ونقص في مادة الحليب المسعر”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع “اشتعلت أسعار اللحوم الحمراء لتراوح ما بين 43 ديناراً (14 دولاراً) و54 ديناراً (17.5 دولار)، مما أدى إلى أن سبعة في المئة من التونسيين عجزوا عن اقتنائها وفق دراسة جامعية، في حين شهدت أسعار لحوم الدواجن انخفاضاً طفيفاً في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، لتبلغ 6.5 دينار (2.11 دولار) و7.5 دينار (2.44 دولار) لدى المنتج مع إضافة 0.6 دينار (0.195 دولار) عند وصولها إلى المستهلك”.

وأشار العدواني إلى أن “كلفة الإنتاج تبلغ 4.7 دينار (1.53 دولار)”، لافتاً إلى أن ذلك نتيجة حتمية للنقص الحاد في تربية صغار الدجاج وندرتها وارتفاع أسعارها إلى ثلاثة دنانير (0.977 دولار)، مستدركاً “لكن تتكون كلفة الإنتاج في 75 في المئة منها من الأعلاف التي شهدت ارتفاعاً في أسعارها في السنوات الأخيرة بحكم ارتباطها بالسوق العالمية وانخفاض إنتاج الأعلاف بالسوق المحلية بسبب الجفاف”.

استراتيجية إنقاذ

وقال العدواني إنه على رغم أن وزارة الفلاحة (الزراعة) التونسية أعلنت عن تأسيس ديوان للأعلاف في محاولة منها للسيطرة على الأسعار، إلا إن ذلك لم يحدث الفارق على أرض الواقع، بل واصل القطاع الخاص سيطرته على سوق الأعلاف، واصفاً قطاع اللحوم الحمراء والبيضاء بالقطاعات المهمشة والتي أصبح تذبذب أدائها تهديداً للأمن الغذائي للتونسيين بسبب أهمية منتجاتها في التوازن الغذائي للأسر، مطالباً السلطة بالإحاطة بالمنتجين لتعزيز قدراتهم من طريق وضع استراتيجية لإنقاذ هذه القطاعات من براثن التغييرات المناخية وارتفاع كلفة الإنتاج وتحكم اللوبيات في السوق، وهي مهمة غير مستحيلة في ظل تقاليد هذه القطاعات مكنتها في السابق من تحقيق فائض في الإنتاج واقتربت بالبلاد إلى مرحلة الأمن الغذائي. وكشف العدواني أن تونس فقدت اكتفاءها الذاتي من الحليب واللحوم منذ عام 2014.

في حين، اعتبر المستثمر في مجال الدواجن علاء العميري أن أرباح الوسطاء تفوق العائدات المحققة من قبل المربين، ما أدى إلى عزوف وتخلٍ من قبل المنتجين عن هذا النشاط، وأرجع ذلك إلى كلفة الإنتاج المتمثلة في أسعار الأدوية والأعلاف، إذ وصل سعر كيس الأعلاف إلى 100 دينار (32.57 دولار). وأطلق العميري نداء إلى وزارة الفلاحة لخفض أسعار الأعلاف، إضافة إلى الكهرباء وصغار الدجاج ومستلزمات تربيتها علاوة على اليد العاملة. وقد أدت هذه العوامل إلى خسائر مالية كبرى تكبدها المربون، بينما غرق آخرون في نسبة مديونية مرتفعة أما الانعكاس المباشر على السوق فهو ندرة الإنتاج، بالتالي ارتفاع الأسعار لدى المستهلكين.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى