خليجي

خروج تيثر من أوروبا.. خطوة تنظيمية أم ضربة قاتلة لسوق العملات المشفرة؟


في تطور غير مسبوق قد يعيد تشكيل مستقبل العملات المشفرة، أعلن الاتحاد الأوروبي عن قرار يقضي بإزالة عملة تيثر (USDT) من جميع البورصات الأوروبية بحلول 30 ديسمبر كانون الأول الجاري 2024، وجاء هذا القرار في إطار لوائح الأسواق في الأصول المشفرة (MiCA)، والتي تُلزم العملات المستقرة بالحصول على ترخيص الأموال الإلكترونية للعمل داخل الاتحاد الأوروبي.

ما الذي يعنيه هذا القرار؟

يشير القرار إلى أن تيثر، إحدى أكبر العملات المستقرة في العالم والتي تُستخدم على نطاق واسع لتوفير السيولة والاستقرار في أسواق العملات المشفرة، لن تتمكن من التداول في بورصات الاتحاد الأوروبي.

وفي رد فعل سريع على خلفيات القرار، قال ديفيد ماركوس، الرئيس التنفيذي السابق لـPayPal إن

«هذا القرار يمثل تحدياً كبيراً لتجار العملات المشفرة في أوروبا، لكنه أيضاً فرصة لتطوير بدائل أكثر أماناً وامتثالاً للوائح.»

فيما قالت إيفا كوفمان، خبيرة في تنظيم الأصول الرقمية

«الاتحاد الأوروبي يسعى إلى إنشاء سوق أكثر استقراراً، لكن قد يدفع ذلك المستثمرين إلى البحث عن بدائل خارج أوروبا».

ويقول أندريا ميليانو، رئيس قسم استراتيجيات العملات المشفرة في Goldman Sachs إنه

«بينما يمكن للمنصات الأوروبية أن تبحث عن بدائل لـ USDT مثل USDC أو DAI، إلا أن الانتقال لن يكون سهلاً. بعض المنصات قد تواجه صعوبة في التكيف مع اللوائح الجديدة، ما قد يؤثر على كفاءة السوق».

انعكاسات القرار على سوق العملات المشفرة

أول ما يمكن توقعه من توابع لهذا القرار هو انخفاض السيولة، إذ يمثل خروج تيثر تهديداً مباشراً للسيولة في أسواق العملات المشفرة الأوروبية، إذ تشكل USDT العمود الفقري للعديد من عمليات التداول.

وعبر خبراء عن قلقهم من التأثير الفوري على السيولة في السوق الأوروبية، إذ قال أليكس براون، مدير التداول في منصة Coinbase

«تأثير خروج تيثر على أسواق العملات المشفرة في الاتحاد الأوروبي سيكون كبيراً على المدى القصير، إذ إن USDT كانت تلعب دوراً مهماً في توفير السيولة، ما يسهل التبادلات والتداولات، لا يوجد حالياً بديل يمكنه ملء هذا الفراغ بسهولة».

كما توقع محللون أن يتم نقل جزء كبير من نشاط التداول إلى الأسواق الأميركية والآسيوية بعد القرار، فيقول ماركوس جينز، المحلل في شركة CryptoQuant

«القرار سيشجع على التحول إلى أسواق أخرى مثل الولايات المتحدة وآسيا، التي توفر بيئة تنظيمية أكثر تساهلاً مقارنة بالاتحاد الأوروبي، وهذا سيعزز مكانتها كمراكز رئيسية للتداول في العملات المشفرة».

كما أن الأسواق الأوروبية قد تصبح أقل جذباً للمستثمرين والمطورين في المستقبل القريب بسبب التشديد في اللوائح، وفقاً لما يقوله جون سيمونز، خبير اقتصادي في Bank of America،

«القرار قد يدفع الشركات إلى النظر في الأسواق الأخرى مثل آسيا أو الولايات المتحدة حيث لا تزال القوانين أكثر مرونة مقارنة بالاتحاد الأوروبي».

وذلك بجانب التأثير السلبي على الأسعار، فيمكن أن يؤدي نقص السيولة إلى تقلبات أكبر في أسعار العملات المشفرة، ما قد يؤثر سلباً على استقرار السوق، بخلاف تراجع التنافسية الأوروبية في هذا القطاع المتصاعد عالمياً، فمن المتوقع أن تنتقل أنشطة التداول إلى أسواق أخرى أقل تنظيماً، ما قد يُضعف مكانة أوروبا كمركز عالمي للعملات المشفرة.

من المستفيد من هذا القرار؟

العملات المستقرة الجديدة

مع خروج تيثر (USDT) من السوق الأوروبية، هناك عدة عملات مستقرة بديلة قد تستفيد من هذا القرار، إذ يمكن أن تحل محل USDT في بورصات العملات المشفرة الأوروبية، بعض هذه العملات المستقرة تشمل: عملة USDC (USD Coin)، وهي عملة مستقرة مدعومة بالدولار الأميركي، وهي من بين العملات المستقرة الأكثر شيوعاً بعد USDT، ويتم إصدارها من قبل شركة Circle بالتعاون مع Coinbase، وتحظى هذه العملة بسمعة جيدة في مجال الامتثال للوائح التنظيمية، ما يجعلها مرشحة قوية لتكون الخيار البديل في أسواق العملات المشفرة الأوروبية بعد خروج عملة تيثر من أوروبا.

تأتي بعدها عملة DAI وهي عملة مستقرة لامركزية تُدار عبر MakerDAO يتم تثبيت قيمتها عند 1 دولار أميركي، ولكنها لا تعتمد على احتياطيات من العملات التقليدية بل على آلية من العقود الذكية، ورغم أنها عملة لامركزية، فإن DAI قد تستفيد من تزايد الاهتمام بالعملات المستقرة اللامركزية، بل قد تصبح خياراً جذاباً للمستخدمين الأوروبيين الذين يبحثون عن بدائل لامركزية تتماشى مع الاتجاهات التنظيمية الجديدة.

وأيضاً عملة تيثر الجديدة Tether’s StablE مشروعها المستقبلي للتواجد في أوروبا سيستفيد مما حدث من خروج تيثر الأم من أوروبا، خاصة أن StablE، ستكون عملة مستقرة تهدف إلى الامتثال للوائح الاتحاد الأوروبي.

وأيضاً توجد العديد من العملات المستقرة التي يمكن أن تستفيد من خروج تيثر من أوروبا، مثل TrueUSD (TUSD)، وهي عملة مدعومة بالدولار الأميركي وحاصلة على ترخيص تنظيمي في بعض الولايات القضائية، ما يجعلها قادرة على التكيف مع اللوائح الأوروبية.

وأيضاً عملة Paxos Standard (PAX)، وتعد Paxos مشروعاً آخر للعملات المستقرة المدعومة بالدولار الأميركي، وتتميز بترخيص الأموال الإلكترونية في بعض الأسواق العالمية، وتمتلك أيضاً موافقات في بعض الولايات القضائية الأوروبية.

وكذلك عملة Binance USD (BUSD)، التي تم إنشاؤها بالتعاون بين Binance و Paxos، وهي مدعومة بالدولار الأميركي، وتمتلك فرصة جيدة في أوروبا في دعمها من قبل بورصة Binance، التي تعد من بين أكبر البورصات في العالم، فإنها قد تكون بديلاً قوياً للمستخدمين الأوروبيين.

الأسواق الآسيوية والأميركية

بعد القرار الأوروبي بإلغاء إدراج Tether (USDT) في البورصات الأوروبية بحلول 30 ديسمبر 2024، يتوقع أن تنتقل حصة كبيرة من عمليات تداول العملات المشفرة إلى أسواق أخرى مثل الولايات المتحدة وآسيا.

تعتبر الولايات المتحدة واحدة من أكبر أسواق العملات المشفرة في العالم، وفقاً لتقرير صادر عن Chainalysis، تستحوذ الولايات المتحدة على أكثر من 25% من حجم تداول العملات المشفرة على مستوى العالم.

وعلى الرغم من التحديات التنظيمية التي تواجهها بورصات العملات المشفرة في الولايات المتحدة، مثل الحظر المفروض على بعض العملات، فإن العديد من بورصات الولايات المتحدة مثل Coinbase وKraken توفر سيولة كبيرة، وتدعم عدة عملات مستقرة مثل USDC وBUSD، ما يجعلها وجهة طبيعية للمستثمرين بعد مغادرة USDT أسواق أوروبا.

وتشهد آسيا، وخاصة الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، نمواً سريعاً في مجال العملات المشفرة، ففي بعض البلدان مثل كوريا الجنوبية، يتم تداول كميات كبيرة من العملات المشفرة يومياً، ما يعكس شغفاً متزايداً بالاستثمار في هذه الأصول الرقمية.

وذلك نظراً إلى أن العملات المستقرة مثل USDC وDAI تتمتع بشعبية كبيرة في الأسواق الآسيوية بسبب المزايا التي تقدمها في تقليل تقلبات السوق، وهو ما يعزز استخدام هذه العملات في التعاملات اليومية في هذه الأسواق، مع خروج USDT من أوروبا، يُتوقع أن يتوجه المزيد من المستخدمين الآسيويين إلى هذه العملات البديلة.

وعلى الرغم من أن بعض الدول مثل الصين قد فرضت قيوداً على العملات المشفرة، فإن دولاً أخرى مثل اليابان وسنغافورة تُعتبر أكثر توافقاً مع تشريعات العملات المشفرة، ما يجعلها أسواقاً مثالية للانتقال إليها بعد مغادرة USDT من السوق الأوروبية.

هل تستفيد أوروبا من القرار؟

كما أن الاتحاد الأوروبي نفسه يُعتبر من المستفيدين من القرار، حيث يرى مؤيدو القرار أن اللوائح الجديدة التي تحد من تداول Tether (USDT) في أوروبا ستسهم في خلق بيئة أكثر أماناً في سوق العملات المشفرة.

إذ يعتقد مؤيدون للقرار أن هذه الخطوة ضرورية لضمان استقرار السوق، فتقول إيلينا رودريغيز، أستاذة الاقتصاد في جامعة أكسفورد،

«تسريع التنظيم في سوق العملات المشفرة أمر لا مفر منه بعد الأزمات الأخيرة، خروج تيثر من أوروبا قد يكون بداية لضبط الأسواق وخلق بيئة أكثر أماناً للمستثمرين، هذا قد يساعد في تعزيز الثقة العامة في القطاع».

ويقول أورتيغو ماتوس، مؤسس منصة CryptoSecure،

«إن أي خطوة تنظيميّة تهدف إلى فرض الرقابة على العملات المشفرة تساعد في بناء أسواق أكثر استقراراً، على الرغم من أن القرار قد يسبب بعض الاضطراب في البداية، فإنه سيؤدي إلى مصلحة السوق على المدى الطويل».

أسباب خروج تيثر من أوروبا الآن؟

يتزامن هذا القرار مع جهود عالمية مكثفة لتنظيم العملات المشفرة بعد سلسلة من الانهيارات الكبرى التي شهدتها السوق في السنوات الأخيرة، خاصة إفلاس بورصة FTX وعدم الاستقرار في سوق العملات المشفرة، خاصة انخفاض قيمة بيتكوين في عام 2022، قبل أن تعود بقوة لتتجاوز الـ100 ألف دولار في ديسمبر 2024.

وفي هذا الشأن يقول راي نيلسون، محلل السوق في شركة KPMG، في تصريحات حديثة

«من الواضح أن أسواق العملات المشفرة بحاجة إلى التنظيم الأكثر صرامة بعد الأزمات الأخيرة، في حين أن القرار يمكن أن يبدو تحدياً لشركات مثل تيثر، إلا أنه سيخلق بيئة أكثر أماناً للمستثمرين على المدى الطويل، التنظيم هو الطريقة الوحيدة لبناء الثقة في السوق وضمان استدامته».

كما يرى خبراء أن التنظيمات مثل لوائح الأسواق في الأصول المشفرة MiCA ستؤدي إلى تقليل الأنشطة غير الشفافة وتحد من التلاعب بالأسواق، وبحسب المحلل كريس تومسون في Standard Chartered

«من خلال تقديم إطار تنظيمي قانوني، سيضمن الاتحاد الأوروبي أن العملات المشفرة لن تضر بمصالح المستثمرين في السوق المالية، ومع ذلك من الممكن أن يشهد السوق بعض الاضطرابات في البداية قبل أن يتأقلم مع اللوائح الجديدة».

يمثل قرار الاتحاد الأوروبي بداية لحرب تنظيمية في عالم العملات المشفرة، الخروج المحتمل لتيثر قد يعيد تشكيل المشهد المالي العالمي، ما يتطلب من المستثمرين والمؤسسات الاستعداد لتغيرات جذرية في السوق.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى