تزامن تنصيبه مع “دافوس 2025″… هل يهدد ترمب مستقبل التعاون الدولي؟
يعكس تزامن تنصيب ترمب مع اجتماعات “دافوس” لحظة محورية في السياسة والاقتصاد العالميين، إذ يبرز الصراع بين القومية والعولمة واتجاه السياسة الخارجية الأميركية ومستقبل التعاون الدولي. ومن المتوقع أن يهيمن تأثير ترمب على الأجواء المترفة التي تجمع القادة العالميين سنوياً في الثلوج الفاخرة لجبال الألب السويسرية. أطلق الرئيس الأميركي المعاد انتخابه تهديدات بفرض تعريفات جمركية ضخمة، وتحدث أيضاً عن نيات، ومن المرجح أن تثير مشاركة ترمب الافتراضية في “دافوس 2025” جدلاً واسعاً بين المؤسسات الدولية. وفي حين قد يرى البعض نهجه المباشر تحدياً للنظام الحالي، سيراه آخرون تهديداً للاستقرار العالمي والتعاون الاقتصادي والاتفاقات متعددة الأطراف. وسيعتمد تأثير مشاركته إلى حد كبير على ما إذا كانت تصريحاته ستتحول إلى سياسات ملموسة، وكيف سيستجيب المجتمع الدولي لتهديداته بالسيطرة على الأراضي وفرض الرسوم الجمركية.
ويتزامن تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية، الإثنين، مع انطلاق اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس التي تعقد في الفترة من الـ20 إلى الـ24 من يناير (كانون الثاني) الجاري، ولهذا التزامن أهمية خاصة على مستويات، أبرزها القيادة الأميركية وتأثيرها في الخطاب الاقتصادي العالمي.
عودة ترمب إلى البيت الأبيض تعيد نمط قيادته المرتكز على السياسات القومية والتشكيك في المؤسسات متعددة الأطراف، وهو ما يتناقض مع تركيز المنتدى الاقتصادي العالمي على التعاون الدولي والتعددية، ويبرز هذا التباين التوتر المحتمل بين السياسات الأميركية الداخلية والأجندات الاقتصادية العالمية، مما يضع تحديات أمام تعزيز التعاون بين الدول في ظل القيادة الأميركية الجديدة.
يعكس هذا التزامن تأثيرات السياسة والعلاقات الدولية، فعودة ترمب ستشعل المناقشات في “دافوس” حول مستقبل التجارة الدولية، والاتفاقات المناخية والتحالفات الجيوسياسية، فخلال فترته الرئاسية السابقة، انسحب من عدة اتفاقات دولية وأعاد التفاوض في شأن صفقات تجارية، مما أثار قلقاً بين القادة العالميين والمشاركين في المنتدى.
ومن الجدير ذكره هنا، أن حاكمة أركنساس سارة هاكابي ساندرز، الحليفة المقربة من ترمب، ستشارك في اجتماعات المنتدى، ومن المقرر أن تشارك في جلسات تناقش الصحة النفسية للشباب ودور الولايات في عمليات الانتقال الرئاسي، وإضافة إلى ذلك سيظهر الرئيس ترمب افتراضياً في المنتدى بتاريخ الـ23 من يناير الجاري.
الأخطار العالمية لـ”دافوس” وطموحات ترمب في “نوبل”
ووفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025، تمثل النزاعات المسلحة أبرز الأخطار العالمية، مما يعكس تزايد التوترات الجيوسياسية، ومع وجود قيادة أميركية جديدة خلال المنتدى، قد يؤثر ذلك بصورة كبيرة في مناقشات حل النزاعات والاستقرار الاقتصادي والتعاون الدولي.
وفي عالم يشهد صراعات متزايدة، قد يسعى ترمب لتقديم نفسه وسيطاً في النزاعات البارزة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط أو مناطق أخرى من العالم، فخلال ولايته الأولى لم يخف دونالد ترمب طموحه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، إذ عبر عن اهتمامه بهذه الجائزة الرفيعة في الماضي، مشيراً إلى إنجازات إدارته الدبلوماسية مبرراً لذلك، وعلى رأس هذه الإنجازات، برزت جهود السلام في الشرق الأوسط، إذ عد ترمب اتفاقات “إبراهام” التي توسط فيها خلال فترة رئاسته إنجازاً رئيساً يستحق الاعتراف، إذ أسهمت هذه الاتفاقات في تطوير العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وعقد ترمب لقاءات غير مسبوقة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، التي عرضها بوصفها جهوداً لتهدئة التوترات النووية، على رغم أنها لم تؤد إلى اتفاقات دائمة. وسعى ترمب أيضاً لتسهيل اتفاق اقتصادي بين كوسوفو وصربيا عام 2020، وهو إنجاز آخر عده مؤيدوه مبرراً للتقدم بطلب للحصول على جائزة نوبل.
ومع عودته إلى الرئاسة، قد يسعى ترمب لتوسيع نطاق مبادراته للسلام، بهدف تعزيز موقفه في مسعى لنيل جائزة نوبل، إذ وعد بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتسوية النزاع المستمر منذ ثلاثة أعوام بسرعة، ومع ذلك تسعى كل من موسكو وكييف إلى تحقيق مكاسب ميدانية لتعزيز مواقعهما التفاوضية قبل أية محادثات.
وفي هذا السياق، يتوقع أن يتناول ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موضوع الحرب في أوكرانيا خلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس”، إذ سيشارك ترمب عبر الفيديو، بينما سيحضر زيلينسكي شخصياً.
مع ذلك هناك مخاوف أميركية وأوروبية من أن أية اتفاقية سلام قد تعد تنازلات لمصلحة روسيا، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات، وحذر الجنرال الأميركي السابق بن هودجز والدبلوماسي البريطاني السابق تيم ويلاسي-ويلسي من أن التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوب بها، مشبهين ذلك باتفاقية ميونيخ عام 1938 مع هتلر.
ويتوقع أن يكون موضوع الحرب في أوكرانيا محوراً رئيساً في مناقشات “دافوس 2025″، إذ يسعى القادة العالميون إلى إيجاد حلول للنزاع المستمر.
ويسعى ترمب إلى تحقيق فوز سياسي بوقف الحرب بين إسرائيل وغزة في مسعى إلى الحصول على دعم محلي ودولي، محاولاً تعزيز صورته بوصف صانع سلام عالمي.
ويراهن الرئيس المنتخب على هذه المبادرة في سياق استراتيجيته للهيمنة على الأجندة الدولية، بهدف إعادة فرض نفوذه في السياسة الخارجية الأميركية.
في الخلاصة، فإن حصول ترمب على جائزة نوبل من شأنه أن يعزز إرثه قائداً عالمياً مؤثراً، وهو ما قد يتناقض مع الانتقادات التي تعرض لها بسبب سياساته الداخلية المثيرة للجدل، في حين قد يكون سعيه إلى الحصول على الجائزة جزءاً من محاولة لإعادة تشكيل صورته الدولية، خصوصاً في ضوء الجدل حول أسلوب قيادته.
حروب تجارية وقلق المنظمات الدولية
ومن المتوقع أن تثير مشاركة ترمب في “دافوس” هذا العام، ردود فعل متباينة من المؤسسات الدولية والقادة العالميين، فتصريحاته السابقة ومواقفه حول التجارة والرسوم الجمركية والسيطرة على بعض الأراضي أثارت قلقاً لدى عدد من الأطراف العالمية، مما يجعل مشاركته محط اهتمام وتوقعات مختلفة في الأوساط الدولية.
والسؤال الأبرز هو كيف ستنظر المؤسسات الدولية المشاركة في الحدث إلى مشاركته، في ظل تهديداته بفرض رسوم جمركية ضخمة والسيطرة على كندا وغرينلاند وقناة بنما، إذ تدعم منظمة التجارة العالمية (WTO) وصندوق النقد الدولي (IMF) المشاركان بقوة في مناقشات “دافوس”، عبر مشاركة المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إيويالا، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، في جلسات “دافوس” المتعلقة بالتجارة الحرة والاتفاقات المتعددة الأطراف، من ثم فإن موقف ترمب حول فرض رسوم جمركية ضخمة قد يتناقض مع دعوات هذه المؤسسات لتقليل الحواجز التجارية، كما أن احتمال حدوث حروب تجارية أو اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية سيثير قلق منظمة التجارة العالمية التي تسعى إلى تعزيز التجارة العالمية بناء على القواعد المعمول بها.
أيضاً، من المرجح أن ينظر إلى رسوم ترمب الجمركية على أنها تراجع نحو الحماية الاقتصادية، مما قد يفاقم من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي ويؤدي إلى فرض رسوم مقابلة من دول أخرى، وهذا التصعيد في السياسات التجارية قد يسبب تدهوراً في العلاقات الاقتصادية الدولية ويزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في دافوس، مما يضع تحديات كبيرة أمام منتدى الحوار والتنسيق العالمي.
وسيشعر البنك الدولي والمشارك أيضاً في مناقشات “دافوس”، بالقلق باعتباره مؤسسة تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية العالمية، وسيعبر عن قلقه من الآثار الاقتصادية المحتملة لسياسات ترمب التجارية، لا سيما على الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي تعتمد على الأسواق العالمية، ففرض الرسوم الجمركية والقيود التجارية قد يؤدي إلى تقليل الفرص الاقتصادية لهذه الدول ويزيد من صعوبة تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى العالمي، الذي سيثير أيضاً قلق مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر المشارك في مناقشات “دافوس” هذا العام.
المنظمات الجيوسياسية والأمنية
من المرجح أن يقابل تهديد ترمب بالسيطرة على أراض مثل كندا وغرينلاند وقناة بنما بقلق من المنظمات التي تقدر السيادة الوطنية والتعاون الدولي، وعلى رأسها الأمم المتحدة “UN” وحلف شمال الأطلسي “ناتو”. ويشارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” مارك روتي، في جلسات “دافوس” هذا العام، إذ يمكن أن يشكل هذا التوجه تهديداً للقيم التي تحترم السيادة الوطنية والاتفاقات الدولية، مما قد يزيد من التوترات الجيوسياسية ويعرقل الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار العالمي.
وقد تؤدي تهديدات ترمب إلى توتر العلاقات مع حلفاء الـ”ناتو” والدول المجاورة، خصوصاً كندا التي ترتبط مع الولايات المتحدة بروابط تجارية وأمنية حيوية لاستقرار المنطقة، وستعد الأمم المتحدة مثل هذه التصريحات تهديداً للقانون الدولي والدبلوماسية، إذ قد تضعف المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية مثل احترام السيادة الوطنية وحل النزاعات عبر الحوار، كما أن هذه التصريحات قد تؤدي إلى تقويض الجهود العالمية الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدولي.
أما بالنسبة إلى لاتحاد الأوروبي، فغالباً ما كان ينتقد نهج ترمب في العلاقات الدولية والتجارة، لذا فإن تهديداته بالسيطرة على بعض الأراضي قد تثير القلق حول اتباعه نهجاً سلطوياً في السياسة الخارجية. ومن المتوقع أن يركز القادة الأوروبيون الذين يشارك عدد كبير منهم في اجتماعات “دافوس”، على كيفية تأثير سياساته في التوازن العالمي للقوى وعلاقات التجارة، فالقادة الأوروبيون قد يعدون هذه التصريحات تهديداً للنظام التجاري العالمي القائم على القواعد، وقد يطرحون بدائل تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي بعيداً من السياسات الأحادية.
المجتمع التجاري والاستثماري العالمي
ووفقاً لـ”دافوس” سيشارك في المنتدى أكثر من 1600 من قادة الأعمال، بما في ذلك أكثر من 900 من كبار الرؤساء التنفيذيين ورؤساء مجالس الإدارة في العالم من أعضاء وشركاء المنتدى الاقتصادي العالمي، وأكثر من 120 منهم من المبتكرين العالميين ورواد التكنولوجيا والشركات الناشئة التي تعمل على تحويل الصناعات. هؤلاء القادة يشكلون قوة دافعة رئيسة في تحديد الاتجاهات الاقتصادية العالمية، ومن المتوقع أن يلعبوا دوراً محورياً في مناقشات “دافوس”.
ومن المرجح أن تتبنى الشركات الكبرى، خصوصاً تلك التي تعمل على الصعيد الدولي، موقفاً حذراً تجاه سياسات ترمب، فتهديداته بفرض رسوم جمركية كبيرة والسيطرة على أراض استراتيجية قد تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وتؤثر في تدفقات الاستثمار، خصوصاً في أميركا الشمالية والمنطقة الغربية، وفي ظل هذا الوضع، سيكون المستثمرون في حال ترقب لمعرفة تأثير هذه السياسات على الاقتصاد العالمي، مع القلق من أن الزيادة في الرسوم الجمركية قد تحد من الوصول إلى الأسواق أو تعطل الاتفاقات التجارية القائمة، مما يهدد استقرار الأسواق العالمية.
وتعد الأسواق المالية وصناديق التحوط حساسة للغاية لثبات الأسواق، لذا فإن عدم اليقين حول سياسات ترمب التجارية وتهديداته المثيرة حول السيطرة على المناطق الاستراتيجية قد يؤثر سلباً في ثقة الأسواق، ويشكل هذا القلق تهديداً خاصاً بالنسبة إلى السلع العالمية وطرق الشحن الحيوية مثل قناة بنما التي تعد شرياناً رئيساً للتجارة العالمية، فأي اضطراب في هذه المناطق قد يخلق تقلبات في أسعار السلع، ويزيد من أخطار الاستثمار، مما ينعكس سلباً على استقرار الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم.
المنظمات البيئية والاحتباس الحراري
وقد تثير تهديدات ترمب بالسيطرة على أراض مثل غرينلاند قلق منظمات حماية البيئة، خصوصاً في ما يتعلق بإمكانية الاستغلال البيئي لموارد هذه المناطق، كما ستثير القلق من أن أي زيادة في السيطرة الإقليمية قد تؤدي إلى استغلال بيئي يتناقض مع الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سياسة ترمب المناخية التي كانت تركز على تعزيز صناعة الوقود الأحفوري وتقليص القيود البيئية على الشركات، كانت من أبرز النقاط المثيرة للجدل خلال رئاسته، إذ انسحب ترمب في 2017 من اتفاق باريس للمناخ، وهو الاتفاق الدولي الذي يهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة ومنع تأثيرات تغير المناخ الكارثية، وبرر ترمب هذا الانسحاب بتأثيراته السلبية على الاقتصاد الأميركي، مشيراً إلى أنه سيضر بالوظائف والنمو الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك شجعت إدارته على استخدام الوقود الحيوي والوقود الأحفوري مصادر رئيسة للطاقة، مما أثار انتقادات واسعة من قبل المنظمات البيئية وعديد من القادة الدوليين، فبينما يرى البعض في هذا التوجه فرصة لتعزيز الاستقلالية الاقتصادية والوظائف، يعده آخرون تهديداً طويل المدى لجهود الحد من التغير المناخي وتهديداً للأجيال القادمة.
ومن المؤكد أن تأثير هذه السياسات على المناخ العالمي سيكون محل نقاش عاصف في “دافوس 2025″، إذ يتوقع أن يواجه ترمب بانتقادات شديدة من المجتمع الدولي والمنظمات البيئية، مع سعيه إلى مواصلة تنفيذ سياسات مماثلة في ولايته الثانية، سيجد نفسه في مواجهة ضغوط متزايدة للتوفيق بين تعزيز الاقتصاد الوطني من جهة، والإسهام في حماية البيئة وتحقيق أهداف المناخ العالمية من جهة أخرى.
ومن المتوقع أن تهيمن مشاركة ترمب على عناوين الصحف والإعلام الرقمي خصوصاً بالنظر إلى التصريحات المثيرة التي أدلى بها، وسيركز الإعلام على التوتر بين نهج “أميركا أولاً” الذي يتبناه ترمب وأسلوب التعاون الذي يعتمده منتدى دافوس.
مناقشات المنتدى الاقتصادي العالمي ستركز على القضايا المتعلقة بالنزاعات الإقليمية، والاستقرار الاقتصادي العالمي، وآثار السياسات الحمائية، ومن المتوقع أن تثير هذه المواضيع نقاشات موسعة حول دور ترمب في النظام العالمي المتغير، وكيفية تأثير سياساته على العلاقات الدولية، التجارة العالمية، والاتفاقات متعددة الأطراف.