بتفاؤل حذر… أطلال سوريا تغري شركات الأسمنت التركية
يتراص العمران الخرب على امتداد الجغرافيا السورية بحواضر محافظاتها وأريافها بعد أعوام من حرب ضروس طمست أوجه المدن ومزقتها إلى أطلال، لكن ثمة ما يبعث من رحم تلك الخرائب اليوم فرصاً واعدة تسيل لعاب شركات البناء خصوصاً التركية التي تأمل لإنتاجها مبيعات أضخم، استفادة من عمليات إعادة الإعمار التي يرجح بقوة أن تنتظم بها أنقرة الفترة المقبلة، في وقت تشير تقديرات رسمية سورية إلى كلفة إعادة الإعمار المقدرة في البلاد ما يصل إلى 500 مليار دولار.
تبدو فرص المشاركة في إعادة إعمار سوريا سانحة أمام الشركات التركية والقطرية، في ظل التقارب الذي يحكم علاقات البلدين مع النظام الحاكم في دمشق، من دون أن تخلو القائمة من الشركات المصرية التي تتكئ في الإقليم على باع طويل في المجال سواء تلك العاملة بقطاع التطوير العقاري أو الصناعات المرتبطة به مثل الأسمنت والحديد.
أسهم شركات البناء والأسمنت التركية
في اليوم التالي لسقوط النظام في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ارتفعت أسهم شركات البناء والأسمنت التركية مدعومة بتوقعات استفادتها الكبرى من إعادة الإعمار في سوريا، إذ صعدت أسهم “شيمنتو” و”أوياك تشيمنتو” 5.3 و9.9 في المئة على التوالي، في حين شهدت شركة صناعة الصلب “إسكندرون دمير تشيليك” زيادة بنسبة 10 في المئة، وهو ما علق عليه ياكوب توكتاميس من شركة الوساطة “تريف ياتيريم” ويوسف دوغان من شركة الوساطة “إنفو ياتيريم” بتأكيد الدور المنتظر للشركات التركية في عمليات إعادة الإعمار.
وفي مذكرة لـ”ستاندرد أند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس”، يقول نائب رئيس جمعية الأسمنت التركية عبدالحميد أكجاي، إن السوق السورية تقدم فرصة كبيرة لمنتجي الأسمنت الأتراك، لكن انتقال البلاد إلى الاستقرار سيستغرق وقتاً.
ويضيف أكجاي، “هناك فرصة. كانت سوريا سوقاً مهمة لمنتجي الأسمنت الأتراك خلال العقد الماضي على رغم الحرب، وبعد التطورات السياسية الأخيرة وتغيير النظام، هناك إمكانات كبيرة، لكنها ليست شيئاً سيحدث على الفور”.
2 مليون شقة مدمرة
بحسب التقديرات، صدر المنتجون الأتراك، أكثر من مليون طن من الأسمنت سنوياً إلى سوريا من طريق النقل البري على رغم الاضطرابات في البلاد، في ما هناك ما يقارب مليوني شقة مدمرة، مع تضرر البنية الأساسية.
ويقدر نائب رئيس جمعية الأسمنت التركية، حاجة السوق السورية بنحو 60 مليون طن من الأسمنت على مدى العقد المقبل، مما يعني طلباً سنوياً يبلغ نحو 6 ملايين طن، متوقعاً أن تكون تركيا المورد الرئيس، لكن التحديات اللوجيستية، مثل وضع الموانئ السورية، تحتاج إلى معالجة لتسهيل النقل البحري، إذ لا يمكن نقل ملايين الأطنان هذه بالشاحنات، وهو ما يتعين معه أن تكون الموانئ جاهزة للعمل خلال فترة إعادة الإعمار.
لكن في حين تبدو الفرصة في سوريا واعدة، يواجه المنتجون الأتراك تحديات محلية، خصوصاً في إعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير (شباط) من العام الماضي، وقد يؤدي هذا الطلب المزدوج إلى إجهاد الموارد والعمالة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع كلفة البناء في تركيا، ومع ذلك فإن المنتجين الأتراك واثقون من قدرتهم على تلبية الطلبات المتزايدة في كلا السوقين، شريطة تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا، بحسب ما يفيد أكجاي.
علاقات تركيا وهيئة تحرير الشام
وفي مذكرة أخرى لـ”آرغوس”، فمن المحتمل أن يرتفع إنتاج ومبيعات الأسمنت في تركيا عام 2025 بسبب مشاريع إعادة الإعمار المحتملة في سوريا، ومن المرجح أن تكون تركيا مورداً رئيساً للأسمنت إلى جارتها الجنوبية نظراً إلى العلاقات الوثيقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام، في وقت كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالين أول مسؤولين أجنبيين يزوران دمشق والاجتماع مع زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع بعد سقوط النظام.
وعلى رغم أن الأمر قد يستغرق أشهراً قبل أن يرتفع الطلب على الأسمنت، فإن السوق سارعت إلى الاستجابة لهذا الاحتمال، إذ ارتفعت أسعار الأسمنت التركي بنسبة 10 في المئة في الأسبوع الذي أعقب سقوط النظام السوري.
إلى جانب تركيا، يأمل رجال أعمال مصريين في انخراط شركات بلادهم في عمليات إعادة الإعمار خلال الفترة المقبلة، ومن بين هؤلاء رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الذي دعا على حسابه بموقع “إكس”، إلى عدم الانجرار إلى إثارة مشكلات مع النظام الجديد في سوريا، أملاً في منح شركات المقاولات المصرية فرصة المشاركة في عمليات إعادة الإعمار خلال الفترة المقبلة.
فرص مصر والجزائر
ووفق موقع “آرغوس”، تعد مصر والجزائر من بين الموردين المحتملين للأسمنت إلى سوريا نظراً إلى موقعيهما فضلاً عن إنتاجهما وطاقة الموانئ، لكن السعر المنخفض نسبياً للأسمنت يعني أن كلفة النقل تشكل عاملاً كبيراً في ربحية مواد البناء، وهو ما يمنح الشركات التركية التي ستعتمد على الشحن براً امتيازاً أفضل عند المقارنة بكلفة الشحنات البحرية من مصر أو الجزائر.
ويلفت عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية محمد البهي، إلى أن شركات بلاده تراقب من كثب تطورات الأوضاع في سوريا خلال الفترة الحالية، تمهيداً للمشاركة في إعادة بناء البلاد، في وقت تشكل إعادة الإعمار “فرصة كبيرة” أمام تلك الشركات، والاستفادة من القرب الجغرافي الذي سيسهل نقل العمال والمعدات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل تشير مذكرة “آرغوس” التي أعدها ألكسندر ماخلاي إلى أن تركيا قد تصدر ما يصل إلى 3 ملايين طن سنوياً من الأسمنت إلى سوريا في السنوات المقبلة، مقارنة بمليون طن العام الماضي و1.1 مليون طن في أول 11 شهراً من هذا العام، وفقاً لبيانات الجمارك التي جمعتها شركة “غوبال تريد تراكر”، فيما بلغت صادرات تركيا إلى سوريا أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 2.67 مليون طن عام 2009.
ويوضح معد مذكرة “آراغوس” أن إنتاج ومبيعات الأسمنت في تركيا من المتوقع أن يبلغ نحو 85 مليون طن هذا العام وقد يزيد بنسبة 10-15 في المئة في الأقل عام 2025، بعد التطورات في سوريا، وإذا حدث هذا، فقد ترتفع معدلات تصنيع الأسمنت بصورة أكبر عام 2025 من أكثر من 60 في المئة عام 2024، وفقاً لبيانات من جمعية مصنعي الأسمنت التركية، في وقت تظهر بيانات الجمعية أن صناعة الأسمنت في تركيا لديها إجمالي طاقة إنتاجية تزيد على 148 مليون طن سنوياً.
البيئة السياسية غير المستقرة في سوريا
ومن المرجح أن تهيمن عمليات النقل عبر الشاحنات بسبب كفاءتها من حيث الكلفة ومرونتها للشحنات الأصغر حجماً بحسب الطلب، ومع ذلك فقد تلعب عمليات التسليم البحرية دوراً في الوصول إلى المناطق الساحلية مثل اللاذقية أو طرطوس، وخصوصاً بالنسبة إلى الشحنات السائبة والمناطق الأبعد عن الحدود التركية.
وعلى رغم أن بعض المنتجين الأتراك يستعدون للإنتاج والخدمات اللوجيستية لتلبية هذا الطلب الجديد، فمن غير المتوقع أن يتحقق ذلك على الفور بسبب البيئة السياسية غير المستقرة في سوريا، إذ تبدو بعض مصانع الأسمنت التركية أقل تفاؤلاً في شأن آفاق زيادة الطلب، وسط توقعات لها بتغييرات طفيفة في الإنتاج والمبيعات بسبب سوريا.
كان هذا العام مليئاً بالتحديات حتى الآن بالنسبة إلى المصانع التركية التي واجهت معدلات تضخم مرتفعة، وضعف قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، وحظر التصدير إلى إسرائيل، فضلاً عن المنافسة الشديدة في الأسواق الخارجية الرئيسة، وعلاوة على ذلك، ضرب الزلزال المنطقة الأقرب إلى حدود البلاد مع سوريا، فيما تعمل المصانع هناك بكامل طاقتها لتغطية الطلب المحلي لإعادة البناء بعد الزلزال، ومن غير المرجح أن يكون لديها إنتاج إضافي لبيعه إلى سوريا لمدة من عامين إلى ثلاثة أعوام في الأقل، وفقاً لـ”آرغوس”.