التوترات الجيوسياسية تدفع سوق اليورانيوم إلى الغليان
التوترات الجيوسياسية والقيود على روسيا يشكلان ضغطاً على سلاسل إمداد اليورانيوم واستمرار ارتفاع أسعاره
يتوقع المتعاملون في أسواق اليورانيوم استمرار ارتفاع سعر المعدن النادر هذا العام، بعدما ارتفعت أسعار البيع الفوري بأكثر من نسبة 90 في المئة خلال العام الماضي.
دفع ارتفاع الأسعار الشركات إلى البحث عن سبل جديدة لزيادة الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد وتراجع العرض في ظل التوترات الجيوسياسية حول العالم، إضافة إلى القيود التي تواجه عمليات تحويل اليورانيوم وتخصيبه في ظل العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
أدت اضطرابات سلاسل الإمدادات وزيادة الأخطار السياسية في أنحاء مختلفة من العالم إلى اختلال معادلة العرض والطلب في سوق اليورانيوم، وفق تقرير شركة “غلوبال كوموديتيز إنسايتس” هذا الأسبوع.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة إنتاج اليورانيوم الأميركية “إنكور إنرجي” بول غورانسون إن العوامل التي أدت إلى عدم كفاية المعروض لتلبية الطلب العام الماضي ستستمر هذا العام، ويضيف أن “العام الحالي سيكون أكثر ضغطاً” بالنسبة إلى الأسعار نحو الارتفاع.
بحسب تقديرات “بلاتس” ارتفعت أسعار البيع الفوري لليورانيوم U308 بنسبة لم تشهدها أسعاره منذ عام 2007، في حين ارتفعت الأسعار إلى مستوى غير مسبوق نتيجة الزيادة الكبيرة في الطلب وغمر المياه لأكبر منجم يورانيوم في العالم وقتها.
ويقدر تقرير “غلوبال” أنه على رغم أن ارتفاع الأسعار أدى إلى إعادة العمل في عديد من مناجم اليورانيوم، وبدأ بعضها بالفعل الإنتاج هذا العام، فإن الطلب المتزايد والأخطار الجيوسياسية ستبقي الأسعار مرتفعة وربما تزيد أكثر.
لا يقتصر ارتفاع الأسعار على البيع الفوري فقط، إذ تجاوز سعر الرطل حاجز 80 دولاراً مقترباً من 90 دولاراً الشهر الماضي، إنما تشهد أسعار اليورانيوم في العقود الآجلة ارتفاعاً أيضاً، وغالباً ما تكون عقود شراء اليورانيوم الآجلة للتسليم في خلال عام. وفي النصف الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الماضي جرى تداول العقود الآجلة لليورانيوم عند نطاق سعر ما بين 60 و70 دولاراً للرطل، بحسب بيانات شركة “بلاتس”.
إنتاج أميركا وكازاخستان
توقفت بعض مناجم اليورانيوم عن العمل بسبب عدم الجدوى الاقتصادية، أما الآن فمع زيادة الطلب وارتفاع الأسعار أصبح تشغيلها مجدياً اقتصادياً، وهناك توجه من الشركات لتشغيل مناجم جديدة. ففي الولايات المتحدة بدأت شركات مثل “إنكور إنرجي” و”إنرجي فويلز” و”يو آر – إنرجي” الإنتاج من مناجمها في أريزونا ويوتا وتكساس ووايومينغ. وطبقاً لبيانات وكالة الطاقة الذرية الأميركية يتوقع أن تنتج تلك المناجم مجتمعة ما يصل إلى 2.2 مليون رطل من اليورانيوم U308 في العام الحالي 2024.
في تقرير أصدرته شركة “سبروت آسيت مانغمنمت” مطلع هذا الشهر، قال الرئيس التنفيذي للشركة جون تشامباغاليا “إذا كنا نريد زيادة سعة إنتاج الطاقة فإننا في حاجة إلى إنتاج كميات هائلة من اليورانيوم… مع الاتجاه الصعودي المتوقع للأسعار الذي يقود إلى تجدد اهتمام المستثمرين وعودة الدعم الحكومي، يتعين على شركات التعدين أن تظهر قدرتها على توفير قيمة مضافة لمساهميها بإنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم”.
إضافة إلى المشروعات السابقة، هناك مشروعات لشركات تعدين أميركية ستبدأ الإنتاج هذا العام 2024، من بينها مشروع “ألتا ميسا” لشركة “إنكور” في تكساس ومشروع “كريسنسون رانس” التابع لشركة “إنرجي كورب” في وايومينغ، ومشروع “لانس” التابع لشركة “بينينسيولا” في وايومينغ أيضاً.
وتعتمد إعادة تشغيل مناجم اليورانيوم المتوقفة أو البدء في مشروعات تعدين جديدة على الكلفة الاقتصادية في مقابل الأسعار، ومع زيادة الطلب على اليورانيوم، بخاصة مع مشروعات متعددة حول العالم لإنتاج الكهرباء من محطات تعمل بالمفاعلات النوية، ترتفع أسعار المعدن النادر وتشجع شركات التعدين على توسيع النشاط.
وتتوقع شركة “بوص إنرجي” الأسترالية أن يبدأ مشروع “هني مون” التابع لها الإنتاج بنهاية هذا العام، وتقدر سعة الإنتاج للمشروع بما يصل إلى 2.45 مليون طن سنوياً، وفق ما أعلنت الشركة.
أما في أكبر دولة منتجة لليورانيوم في العام وهي كازاخستان، فقد أعلنت شركتها “كازاتومبروم” عن زيادة إنتاجها من اليورانيوم إلى نسبة 90 في المئة من عقود تعاقداتها لاستغلال مناطق التعدين الحكومية، بدلاً من مستهدف العام الماضي 2023 بطاقة 80 في المئة.
وأرجعت الشركة ذلك إلى الزيادة في الطلب العالمي على اليورانيوم، لكنها أشارت إلى وجود تحديات منها توفر حمض الكبريتيك والتأخير في العمليات الإنشائية في المناجم، مما يجعل مستهدف هذا العام محل شك.
كانت شركة “كازاتومبروم” أعلنت عن خطط سابقة لإنتاج 21 ألفاً و500 طن متري من اليورانيوم العام الماضي، وإذا كانت ستحقق مستهدفها لهذا العام بإنتاج 90 في المئة مما تسمح بها عقودها الحالية، فهذا يعني إنتاج 23 ألفاً و500 طن متري من اليورانيوم. ومنذ عام 2018 تنتج الشركة نسبة 80 في المئة من المسموح به في عقودها لاستغلال المناجم، وتنتج كازاخستان تقريباً نصف اليورانيوم في العالم وفق ما تظهر أرقام الإنتاج العالمي لعام 2022.
التنقية والتخصيب
من التحديات الأخرى التي تواجه سوق اليورانيوم العالمية، وأدت إلى ارتفاع أسعار البيع الفوري، تبعات التوترات الجيوسياسية حول العالم بخاصة العقوبات التي فرضت على روسيا عقب بدء الحرب الأوكرانية في نهاية فبراير (شباط) 2022.
وتعد روسيا من أكبر دول العالم في عمليات تنقية وتخصيب اليورانيوم، ونتيجة العقوبات المتتالية على موسكو أصبحت سلاسل الإمداد في سوق اليورانيوم معقدة ومضطربة بشدة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مؤتمر الشركة الشهر الماضي، قال الرئيس التنفيذي لشركة “كاميكو” تيم غيتزل “هناك جوانب كثيرة لإنتاج الوقود النووي غير إنتاج اليورانيوم الطبيعي من المناجم، فبعض شركات الطاقة تسعى إلى قطع العلاقات مع حلقة إنتاج الوقود النووي الروسية، وهذا مما أدى إلى تعقيد معادلة العرض والطلب”.
أما الشركات الغربية التي ما زالت تتعامل مع روسيا في مجال الوقود النووي فإنها في وضع حرج، وهذا مما يؤدي إلى مزيد من الاضطراب في سوق اليورانيوم.
يقول جون تشامباغاليا إن “جهود السلطة التشريعية في الولايات المتحدة لفرض عقوبات على خدمات الوقود النووي الروسية أصبحت قرب نهايتها، وهو ما قد يؤدي إلى إجراءات انتقامية أيضاً من جانب روسيا، وعلى رغم أن إنتاج اليورانيوم الطبيعي مهم وأساس فإن عمليات تحويل وتنقية وتخصيب اليورانيوم مهمة جداً في دورة الوقود النووي. وتتحكم روسيا في نسبة كبيرة من عمليات التحويل والتنقية في العالم، لذا تركز الاستراتيجيات الغربية على تقليل الأخطار في سوق الوقود النووي وتعديل سلاسل الإمداد”.
كان مجلس النواب الأميركي وافق الشهر الماضي قبل فترة العطلة التشريعية على قانون يحظر استيراد اليورانيوم المخصب من روسيا مع مطلع عام 2028. وتعتمد الشركات الأميركية على استيراد خمس حاجاتها (نسبة 20 في المئة) من اليورانيوم المخصب من موسكو.
بحسب بيانات شركة “بلاتس” ارتفعت أسعار اليورانيوم للبيع الفوري بنسبة 30 في المئة بعد إقرار القانون في مجلس النواب، ويتوقع أن يوافق مجلس الشيوخ على القرار قبل نهاية هذا الشهر بعد العودة من العطلة.
ومن شأن تلك التحديات السياسية واستمرار الصراعات مواصلة الضغط على سوق اليورانيوم، واختلال معادلة العرض والطلب، من ثم ارتفاع الأسعار.