عالمي

الأميركيون يقترعون وأنظار العالم على بوصلة الاقتصاد

تستحوذ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة على اهتمام عالمي واسع، مع اشتعال المنافسة بين الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترمب ونائبة الرئيس الأميركي الحالي والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على سدة الرئاسة، مما قد يؤثر بصورة كبيرة على مستقبل الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، لا سيما في ظل تحديات جمة تعترض مسار نموه.

وأكد محللون واقتصاديون لـ”اندبندنت عربية”، أن الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة تعد حدثاً محوريا يؤثر بصورة كبيرة على الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية، مشيرين إلى أن تباين السياسات الاقتصادية للمرشحين الحاليين قد يؤدي إلى تأثيرات مختلفة على القطاعات الاقتصادية وثقة المستثمرين.

وتتناول سياساتهما الاقتصادية قضايا حيوية حيث تربط كامالا هاريس سياساتها الاقتصادية بسجل إدارة الرئيس جو بايدن، لكنها تقترح أيضاً مبادرات جديدة تهدف إلى تحسين الوضع المالي للطبقة المتوسطة والعائلات ذات الدخل المنخفض، من خلال ما تصفه بـ”اقتصاد الفرص”.

أما ترمب فيصف نفسه بـ”رجل التعريفات”، إذ يرى أن فرض الضرائب على الواردات هو الحل لمشكلات الاقتصاد الأميركي، من خلال فرض تعريفات تصل إلى 20 في المئة على جميع الواردات تقريباً، مع استهداف خاص للسلع الصينية بتعريفات تصل إلى 60 في المئة أو أكثر.

وتتباين رؤى الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، حول كيفية إدارة القضايا الاقتصادية بصورة جذرية، إذ تتبنى المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب سياسات اقتصادية مختلفة، قد تؤثر في سوق العمل وتدفقات الهجرة إلى البلاد، فضلاً عن سياسة الطاقة التي تعتمد عليها الصناعات.

الاقتصاد لا يزال قوياً رغم التباطؤ

عشية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، تظهر لمحة من البيانات الصادرة حديثاً أن الفائز سيرث اقتصاداً نشطاً، مدفوعاً باستمرار إنفاق المستهلكين رغم معاناة على مدى سنوات من الأسعار وأسعار الفائدة المرتفعتين، وفقاً لوكالة “بلومبيرغ”.

ونما الاقتصاد الأميركي بوتيرة قوية في الربع الثالث من السنة الجارية، ليواصل أعواماً عدة من النمو القوي، وبقي معدل البطالة في الولايات المتحدة منخفضاً، مما يكشف ابتعاده عن الركود الذي توقعه خبراء اقتصاد لفترة طويلة.

رغم ذلك، جميع الأخبار ليست إيجابية، إذ تباطأ نمو الوظائف في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى أضعف مستوى له منذ 2020، في شهر تأثر سلبياً بشدة جراء أعاصير عاتية وإضراب عمالي كبير، كما أن الطريق نحو خفض التضخم في الولايات المتحدة لا يزال مليئاً بالعقبات. في الوقت نفسه لم يعد الأميركيون قادرين على تحمل كلف الملكية العقارية في ظل أسعار فائدة وأسعار رهن عقاري باهظتين.

نتائج الانتخابات تؤثر في الاقتصاد

وعلى ذات الصعيد، أكد مدير مشاريع العمليات المالية في بنك “كريدي أغريكول” نادر حداد، على أن نتائج الانتخابات تؤثر، بلا شك، في الاقتصاد الأميركي من خلال تحديد السياسات المالية والتجارية المستقبلية، مشيراً إلى أن فوز مرشح معين يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في الضرائب، الإنفاق الحكومي، والسياسات التجارية، مما ينعكس على النمو الاقتصادي والتضخم والبطالة.

ولفت حداد، إلى أنه إذا فاز ترمب، فمن المتوقع أن يتبنى سياسات تجارية حمائية، مثل فرض تعريفات جمركية عالية على الواردات، خصوصاً من الصين، مما قد يؤدي إلى ارتفاع كلف السلع المستوردة وزيادة التضخم. إضافة إلى ذلك، قد يسعى إلى تخفيض الضرائب على الشركات والأفراد، مما قد يعزز الاستثمارات المحلية.

أضاف نادر حداد، أن فوز كامالا هاريس قد يعني التركيز على زيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والبرامج الاجتماعية، مع زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء لتمويل هذه البرامج، مما قد يؤثر في أرباح الشركات وثقة المستثمرين.

وأكد مدير مشاريع العمليات المالية في بنك “كريدي أغريكول”، أن نتائج الانتخابات ترسم توجهات السياسات المالية مثل الضرائب والإنفاق الحكومي. فوز مرشح يدعم زيادة الإنفاق الحكومي قد يؤدي إلى زيادة العجز المالي، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تعديل سياساته النقدية، مثل زيادة أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم. في المقابل فوز مرشح يدعم تقليص الإنفاق الحكومي قد يؤدي إلى سياسات نقدية أكثر تيسيراً.

القطاعات المتأثرة

وعن القطاعات الاقتصادية التي قد تشهد تغييرات ملحوظة، أوضح نادر حداد، أن أبرزها القطاع الصناعي والتجاري الذي قد يتأثر بالسياسات التجارية والتعريفات الجمركية وفرض تعريفات عالية قد يضر بالشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة. وأوضح حداد أن من بين تلك القطاعات قطاع الطاقة الذي قد يتأثر بالسياسات البيئية. فوز مرشح يدعم الطاقة النظيفة قد يؤدي إلى تراجع في صناعة الوقود الأحفوري، لافتاً إلى أن من ضمن تلك القطاعات قطاع الرعاية الصحية الذي قد يتأثر بالسياسات المتعلقة بالتأمين الصحي والإنفاق على الرعاية الصحية. وأكد حداد أن التوجهات السياسية للمرشحين تؤثر في ثقة المستثمرين من خلال تحديد مدى الاستقرار والتوقعات المستقبلية للاقتصاد. وأشار إلى أن السياسات التي تدعم الأعمال وتقلل الضرائب قد تزيد من ثقة المستثمرين، بينما السياسات التي تزيد من الأعباء الضريبية أو التنظيمية قد تقلل من هذه الثقة. وأشار نادر حداد إلى أن التأثيرات الاقتصادية لنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية على السياسات التي يتبناها الفائز، والتي تؤثر بدورها على مختلف القطاعات الاقتصادية وثقة المستثمرين.

سياسات “هاريس” غير واضحة… وترمب الأفضل

من جهته أفاد مدير مركز “كوروم” للدراسات الاستراتيجية في لندن طارق الرفاعي، بأن السياسيات الاقتصادية للحزب الجمهوري ومرشحته كامالا هاريس غير واضحة ولذلك سيكون فوزها الأسوأ للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن فوز الحزب الديمقراطي ومرشحه دونالد ترمب سيكون الأفضل للاقتصاد الأميركي على المدى البعيد أيضاً إذ من المتوقع أن يشهد قفزة وخصوصاً القطاع النفطي وقطاع الصناعات التقليدية، إذ إنه بدأ حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة سابقاً لتنشيط الصناعة الوطنية.

أضاف الرفاعي، أنه رغم تحسن الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة أخيراً، أكدت كامالا هاريس أن الأسعار لا تزال مرتفعة. لذا، تقترح مكافحة جشع الأسعار من خلال تشريعات تضع حداً للزيادات غير المبررة. كما تسعى لتعزيز تطوير الإسكان وتوفير الدعم للمشترين للمرة الأولى، إضافة إلى توسيع برامج الرعاية الصحية لتشمل الرعاية المنزلية لكبار السن.

وتعهدت هاريس تخفيض الضرائب عن العائلات المتوسطة والمنخفضة الدخل، وتقديم إعفاءات ضريبية لأصحاب الأعمال الصغيرة والمبتكرين. وفي المقابل تدعو إلى رفع معدل الضرائب على الشركات الكبرى من 21 في المئة إلى 28 في المئة بهدف تحقيق العدالة الضريبية.

وفي ما يتعلق بالتجارة تتبنى هاريس نهج الإدارة الحالي، مع استمرار استخدام التعريفات الجمركية لتعزيز التنافسية المحلية، خصوصاً مع الصين، فضلاً عن ترويجها الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة كجزء من خطتها لتعزيز الاقتصاد.

من جانبه يعتمد ترمب في حملته على استعادة سجله الاقتصادي قبل جائحة كورونا، مع تقديم وعود بمزيد من التخفيضات الضريبية والحد من اللوائح التنظيمية لتحفيز النمو الاقتصادي.

ووعد ترمب بخفض كلف الطاقة من خلال توسيع عمليات التنقيب عن النفط والغاز وإلغاء القوانين البيئية التي يعدها معيقة للنمو الاقتصادي، لكنه يواجه انتقادات بأن سياساته المقترحة، مثل فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق وترحيل المهاجرين، قد ترفع الكلف على المستهلكين.

كما تعهد ترمب بتمديد وتوسيع تخفيضات الضرائب التي أقرها عام 2017، بما في ذلك خفض معدل الضرائب على الشركات إلى 15 في المئة للشركات التي تصنع منتجاتها داخل الولايات المتحدة، إضافة إلى اقتراحه إلغاء الضرائب على الضمان الاجتماعي والعمل الإضافي، وهي سياسات من المتوقع أن تزيد من العجز المالي.

تداعيات اقتصادية بعيدة المدى

وتوقع المستشار الاقتصادي والمالي محمود عطا أن تحمل الانتخابات الأميركية، تداعيات اقتصادية بعيدة المدى، إذ قد تؤثر بصورة مباشرة على كيفية فرض الضرائب على الأميركيين، وعلاقة الولايات المتحدة التجارية مع باقي دول العالم.

وأما عن القطاعات الاقتصادية المتأثرة بفوز حزب معين، أوضح المستشار الاقتصادي والمالي محمود عطا، أن أبرزها الضرائب إذ قد يزيد الديمقراطيون الضرائب على الأثرياء والشركات لتمويل البرامج الاجتماعية، بينما يميل الجمهوريون إلى تخفيض الضرائب لتعزيز النمو الاقتصادي.

وأشار عطا إلى أن من ضمن تلك العوامل الإنفاق الحكومي إذ قد يميل الديمقراطيون إلى زيادة الإنفاق على البنية التحتية والبرامج الاجتماعية، بينما يفضل الجمهوريون تقليص الإنفاق الحكومي.

وبين أن من ضمنها السياسات التجارية إذ قد يتبنى الجمهوريون سياسات تجارية حمائية، بينما يميل الديمقراطيون إلى تعزيز التجارة الحرة.

5 قضايا تحكم الانتخابات

ومن جهته قال الرئيس التنفيذي لشركة “First Financial Markets”، نديم السبع إن هناك خمس قضايا اقتصادية تحكم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وهي الطاقة والضرائب والتجارة والهجرة والعجز المالي، مضيفاً أنه في حال فوز دونالد ترمب فإن السياسة الاقتصادية ستكون ملامحها واضحة، وفي مقدمها تفضيل الفائدة المنخفضة لتخفيف الضغط على أسواق الأسهم والعقار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار السبع إلى أن ترمب سيسعى إلى دعم قطاع التصنيع، وخصوصاً صناعة السيارات في مقابل رفع الحمائية التجارية والضرائب على الصين. وأكد أنه سيقوم ويقدم دعماً كبيراً لأسواق الأسهم من خلال مشاركته المشهورة السابقة التي كانت سبباً رئيساً في رفع أسواق الأسهم في عهده السابق. وأوضح أنه في حال فوز هاريس، فإن السياسة الاقتصادية لن تختلف عما هي الآن وستكون بنفس الوتيرة لأن فوزها يعد تجديد الفترة الرئاسية الحالية، لافتاً إلى أن سقف الدين الحكومي حتماً سيرتقع لأن الاقتصاد الأميركي لا يوجد له تصور من غير رفع سقف الدين الحكومي الذي وصل لمستويات قياسية.

ربع تريليون دولار

والسباق نحو البيت الأبيض لعام 2024 يشهد مفارقة فريدة، مع تحوله إلى حدث مالي بالغ الأهمية، إذ تواجه أكبر الشركات في الولايات المتحدة مستقبلين ماليين مختلفين تماماً، يفصل بينهما مبلغ ضخم قدره “ربع تريليون دولار” سنوياً.

وبحسب تقرير حديث أعدته “فايننشال تايمز”، فإن رقم “ربع تريليون دولار” يرجع إلى السياسات الضريبية المختلفة للمرشحين كامالا هاريس ودونالد ترمب، ويعتمد على تقديرات مصرف “غولدمان ساكس”، الذي أشار إلى أن اقتراح ترمب بخفض معدل ضريبة الشركات من 21 في المئة إلى 15 في المئة في حال فوزه، من شأنه أن يضيف أربعة في المئة إلى أرباح مؤشر “ستاندرد أند بورز 500″، في حين أن خطة هاريس لرفع ضريبة الشركات، من 21 في المئة إلى 28 في المئة، إضافة إلى مقترحاتها الضريبية الأخرى على الشركات، من شأنها أن تقلل الأرباح بنسبة ثمانية في المئة.

وفي وقت يتوقع فيه أن تبلغ أرباح مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” نحو 2.2 تريليون دولار في عام 2025، فإن الفارق البالغ 12 في المئة بين تأثير سياسات المرشحين الرئاسيين الذي ينتج مبلغاً يقارب ربع تريليون دولار، يفسر سبب اهتمام الشركات الكبرى، بحماية مكاسبها المتأتية عن نتيجة هذه الانتخابات.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى