عالمي

اقتصاد الصين في 2024… مطبات على طريق نمو التنين

في وقت تسود حالة من عدم اليقين عالمياً تواجه الصين –ثاني أكبر اقتصاد عالمي- مع دخول عام 2024 مجموعة من التحديات التي تتطلب تكامل السياسات وإصلاحات هيكلية بالقطاعات الرئيسة، وذلك بعد أن شهدت تحولات هائلة خلال العقود القليلة الماضية، مما أدى إلى نمو اقتصادي سريع وتحسن في معيشة السكان، بحسب ما أفاد به محللون لـ”اندبندنت عربية”.

وأشار المحللون إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني تتمثل في ارتفاع الديون وخصوصاً بقطاعات رئيسة في مقدمها القطاع العقاري إضافة لتصاعد الصراع التجاري مع الولايات المتحدة وبعض الشركاء الدوليين، إضافة للتحديات في شأن هيكل السكان، إذ يتزايد عدد الشيخوخة وتتراجع معدلات الولادة ويتطلب هذا تكيفاً في السياسات الاقتصادية والاجتماعية لتأكيد استدامة نمو السكان وتلبية حاجات المجتمع.

وأكد المحللون أن التحديات التي تواجهها الصين في مجال الديون وسط ارتفاع مستوياتها بصورة كبيرة من المرجح أن يدفع الحكومة لإدارة الأزمة بعناية لضمان الاستدانة المستدامة وتفادي الأخطار المالية وزيادة السعي إلى تحسين بيئة الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية لجذب مزيد من الاستثمارات وتشجيع على الابتكار.

وذكر المحللون أن الصراع التجاري مع الولايات المتحدة وبعض الشركاء الدوليين مع الصين يعد من أبرز التحديات التي تواجهها بكين، وهو ما يستدعي الحاجة إلى تكييف سياساتها التجارية للتعامل مع التوترات وتحقيق توازن في العلاقات الدولية.

وفي منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عقدت السلطات الصينية العليا اجتماعاً سنوياً لمناقشة السياسة الاقتصادية للعام المقبل، ولم تشر القراءة الرسمية إلى خطط تحفيز كبيرة، لكنها أدرجت الابتكار التكنولوجي باعتباره المجال الأول للعمل.

ومن بين الاجتماعات الحكومية الرئيسة المقبلة، من المقرر أن تعلن بكين عن أهداف اقتصادية مفصلة خلال اجتماع برلماني في أوائل مارس (آذار) القادم.

المشكلة الأساس

وقال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار” وضاح الطه، إن الاقتصاد الصيني قد يشهد تباطؤاً في النمو خلال عام 2024 ليسجل نحو 4.1 في المئة ليتراجع بذلك عن سلسة معدلات النمو المبهرة بالسنوات الماضية.

وأوضح أن المشكلة الأساس التي تواجه الاقتصاد الصيني هي تعثر القطاع العقاري السكني، إذ إنه يواجه أزمة ديون كبيرة مشكوك في تحصليها تقدر بنحو 124 مليار دولار.

ولفت إلى أن تداعيات الأزمة بالقطاع العقاري قد تسحب القطاع المصرفي إلى أزمة مشابهة. وأضاف أنه من المرجح أن يشهد الاقتصاد الصيني تدخلاً رسمياً لاحتواء تلك الأزمة في ظل وجود سيولة كبيرة لدى حكومة البلاد.

وأكد الطه أن الأزمة التي يمر بها القطاع العقاري بالصين لن تكون أزمة مشابهة لأزمة القطاع العقاري للولايات المتحدة عامي 2007 و2008 إذ إن المعطيات مختلفة بصورة كبيرة.

وذكر الطه أيضاً أن الأزمة لن تؤثر في سوق النفط العالمية، إذ ستبقى الصين أكبر مستورد للخام بالعالم، وفي المقابل أيضاً هناك نسب نمو متوقعة للاقتصاد الهندي بنحو 5.7 في المئة بالعام الحالي، وهو ربما يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط.

أصيب كثيرون بخيبة أمل عندما لم ينتعش الاقتصاد الصيني بالسرعة المتوقعة بعد انتهاء ضوابط “كوفيد-19” في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وبخلاف السياحة وقطاعات معينة مثل السيارات الكهربائية، كان النمو البطيء هو القصة في معظم عام 2023، متأثراً بالركود الاقتصادي ومشكلات العقارات وتراجع الصادرات.

وغيَّرت بنوك استثمارية دولية توقعاتها للنمو للصين عديد المرات في العام الماضي، وبعد كل هذه التحركات ذهاباً وإياباً، من المتوقع على نطاق واسع أن ينمو الاقتصاد بنحو خمسة في المئة.

توازن على رغم التحديات

قال المدير التجاري الدولي لمجموعة “إكس أس العالمية”، وائل حماد، إنه على رغم التحديات التي واجهت الاقتصاد الصيني خلال العام الماضي، فإنه تمكن من التوازن مع نهاية 2023، وذلك مع ظروف أفضل للطلب.

وأوضح حماد أن قطاع التصنيع شهد نمواً في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، بدفع نمو المخرجات والطلبيات الجديدة في ظل تماسك الطلب ونمو إنفاق العملاء، إذ سجل مؤشر مديري المشتريات التصنيعي قراءات عند 50.8 و50.7 خلال الشهرين الماضيين.

وأشار حماد إلى أنه مع هذا النمو الطفيف لأنشطة التصنيع، إلا أن ثقة الشركات حول العام الحالي لا تزال منخفضة للغاية، وهو ما دفعها إلى الحذر في إضافة وظائف جديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف حماد أن قطاع الخدمات كان أكثر إشراقاً ونمواً خلال طوال العام الماضي، إذ أشارت الشركات العاملة في القطاع إلى نمو قوي للأنشطة والأعمال الجديدة وفق تقرير مديري المشتريات الخدمي لشهر ديسمبر (كانون الأول) 2023 أيضاً، مشيراً إلى أن هذا النمو دفع إلى مزيد من التوظيف في هذا القطاع على عكس قطاع التصنيع إضافة إلى توقعات أكثر تفاؤلاً حول العام الحالي.

وقال، إن هذا النمو المستمر لأنشطة المشتريات في القطاعين يعكس ثقة الشركات في مستقبل الاقتصاد، وتشير إلى أن الأسوأ بات في الماضي وأن الاتجاه الحالي هو نحو مزيد من التعافي في العام الحالي.

ولفت إلى أن هذا الانتعاش يتزامن في الأنشطة المختلفة مع مزيد من الجهود الحكومية لدعم جانبي العرض والطلب، أي الأسر والقطاع الخاص.

ويرى حماد أن مستقبل النمو في الصين لا يتوقف على ما يحدث من تطورات في البلد بذاته، بل يعتمد أيضاً على نمو الاقتصاد العالمي، إذ إن أكبر مصدر في العالم لن يكون في أفضل حاله مع النمو الضعيف أو الانكماش في اقتصادات الدول الكبرى الأخرى.

وأوضح أنه على سبيل المثال، لا تزال أنشطة الخدمات والتصنيع والإنشاء تعاني الانكماش في منطقة اليورو والمملكة المتحدة عموماً، إضافة إلى أن استعادة النمو هناك لا تبدو قريبة، وإن كان التقلص آخذ في الانحسار تدريجاً.

خطوات مقبلة

واعتبر حماد أن “النمو الاقتصادي العالمي بدوره يتوقف أيضاً على الخطوات المقبلة لصناع السياسة النقدية واتجاهات التضخم إلى حد بعيد، إذ إن مزيداً من الوقت في ظل بيئة التشديد النقدي هذه قد يعني وقتاً أطولاً لاستعادة النمو”.

من جانبه، قال الشريك المؤسس لأكاديمية “ماركت تريدر” الأميركية لأسواق المال عمرو عبده، إنه في عام 2024، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الصيني تباطؤاً في النمو. ووفقاً للبنك الدولي، سينمو اقتصاد الصين بنسبة 4.5 في المئة في عام 2024، خفضاً من 5.2 في المئة في عام 2023.

وأوضح أن هناك عوامل تسهم في تباطؤ الاقتصاد الصيني أهمها القضايا الهيكلية التي تواجهها البلاد، مثل تباطؤ نمو الإنتاجية وشيخوخة السكان التي تهدد النمو المستقبلي. وأشار إلى أن الاقتصاديين يلقون اللوم على ضعف الطلب المحلي في تراجع الرغبة في الاستثمار في القطاع الخاص وانزلاق الصين إلى الانكماش بنهاية يوليو (تموز) الماضي.

ولفت إلى أن تراجع قطاع العقارات كان هو القناة الرئيسة التي حدث من خلالها التباطؤ الاقتصادي في الصين، إذ إن قطاع العقار كان يمثل 20 إلى 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ذروتها.

أشار عبده إلى أن الصين تواجه عديداً من التحديات الهيكلية وغيرها، مثل القيود المفروضة على نقل التكنولوجيا التي تفرضها الولايات المتحدة ودول أخرى، والتصحيح المستمر للفقاعة العقارية، وارتفاع معدلات البطالة بين العمال الأصغر سناً.

وتراجعت سوق العقارات بعد أن اتخذت بكين إجراءات صارمة ضد اعتماد المطورين الكبير على الديون لتحقيق النمو في عام 2020، وأثارت علاقات الصناعة الوثيقة بتمويل الحكومات المحلية وسلسلة توريد البناء والرهون العقارية المنزلية مخاوف في شأن امتدادها إلى الاقتصاد الأوسع.

وقال محللو بنك “غولدمان ساكس” في تقرير بتاريخ الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي، “كان تراجع سوق العقارات في الصين أكبر عائق لاقتصادها منذ الخروج من القيود الخالية من فيروس كورونا في أواخر عام 2022”. وأضافوا “انخفضت مبيعات العقارات والبناء في الفترة 2021-2022 واستمرت في الخفض في صافيها في عام 2023.”

الطلب على النفط

من جانبه، أكد المستشار الاقتصادي محمد مهدي عبدالنبي أن أسواق النفط تعول إلى حد بعيد على نمو الاقتصاد الصيني، وهو من أكبر الاقتصادات استيراداً واستهلاكاً للوقود الأحفوري.

وأوضح أنه على رغم النهج المتشدد الذي تسلكه منظمة الدول المصدرة للنفط إضافة إلى روسيا (أوبك+) إضافة إلى المخاوف حول قيود المعروض نتيجة الصراعات الدائرة، فإننا ما زلنا مستويات متدنية نسبياً لأسعار النفط.

من جانبه، يرى المستشار المالي محمود عطا أن السبب في تدني مستويات الأسعار هو المخاوف حول مستقبل الطلب وعليه سيلعب استعادة نمو الاقتصاد الصيني دوراً حاسماً في تحديد مسار أسعار النفط هذا العام.

وقال صندوق النقد الدولي في بيان صحافي، إن نمو الناتج المحلي الإجمالي قد يتباطأ إلى 4.6 في المئة عام 2024 بسبب الضعف المستمر في قطاع العقارات في الصين وضعف الطلب الخارجي، وإن كان ذلك أفضل من توقعاته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، البالغة 4.2 في المئة في تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عنه.

وعزا الصندوق تباطؤ تعافي الصين من الوباء إلى تراجع العقارات وضعف الطلب على سلعها المصنعة مع تباطؤ النمو العالمي أيضاً.

وقال البنك الدولي، إن اقتصاد الصين انتعش في عام 2023، مدفوعاً بزيادة الطلب على الخدمات، والاستثمار المرن في التصنيع، وتحفيز البنية التحتية العامة. ومع ذلك، اتسم الأداء الاقتصادي بالتقلبات، والضغوط الانكماشية المستمرة، وضعف ثقة المستهلك، وتشير هذه العوامل بحسب البنك إلى أن التعافي لا يزال هشاً.

ووفقاً للبنك الدولي من المتوقع أن يبلغ معدل النمو في الصين 5.2 في المئة في عام 2023 قبل أن يتباطأ إلى 4.5 في المئة في عام 2024، ويخيم على الآفاق غموض بسبب الضعف المستمر في قطاع العقارات واستمرار الطلب العالمي الفاتر على المدى القصير، فضلاً عن القيود الهيكلية على النمو، بما في ذلك ارتفاع الديون وشيخوخة السكان، وتباطؤ نمو الإنتاجية عما كان عليه في الماضي.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى