عالمي

خطة حكومية لتسهيل وصول التونسيين إلى قروض المصارف

طرحت الحكومة التونسية أخيراً مشروع قانون يرمي إلى مكافحة الإقصاء المالي، بهدف إدماج أكبر قدر ممكن من التونسيين في المنظومة المالية والمصرفية بزيادة عدد الأرصدة المصرفية والبريدية مع اللجوء المجاني للتطبيقات لاستخدام الهواتف الذكية في التحويلات المالية.

إلى ذلك، يجد آلاف التونسيين حتى العام الحالي، أنفسهم خارج المنظومة المصرفية والبريدية ولا يستطيعون فتح حسابات بنكية أو بريدية، بالتالي حرمانهم من الوصول إلى القروض وهم في حاجة ماسة إلى هذه القروض لتسيير شؤونهم اليومية، ولا سيما أصحاب المهن الصغيرة أو أولئك الذين يشتغلون في أعمال بأجرة يومية.

وتشترط المصارف ومؤسسة البريد على من يرغب فتح حساب لديها حزمة من الإجراءات الإدارية الصعبة “منفرة” للعديد من التونسيين الذين وجدوا أنفسهم يعانون الإقصاء المالي وليس لديهم القدرة على الاندماج في المنظومة المصرفية والمالية.

تطور بطيء

وتطور عدد الحسابات البنكية في تونس، خلال السنوات الخمس الأخيرة، بنسبة 1.7 في المئة سنوياً، وفق ما أفاده البنك المركزي التونسي في تقريره السنوي حول الرقابة البنكية لعام 2022 والصادر في نهاية ديسمبر من العام الماضي، إذ بلغ عدد البطاقات البنكية نحو 6.6 مليون بطاقة حتى نهاية 2022 أي بمعدل زيادة سنوية بنسبة 9.4 في المئة خلال الفترة 2018/2022.

وتعكس هذه المؤشرات التطور البطيء واللافت في عدد الحسابات المصرفية جراء السياسة التي تتبعها جل المصارف في تونس، إذ إنها تفضل قبول الموظفين والتجار وأصحاب الأعمال بينما يجد عدد كبير من المواطنين أنفسهم خارج الدورة المالية ومحرومين من الحصول على قروض.

  تعزيز الإدماج المالي

ويندرج مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي (مشروع قانون الإدماج المالي قبل تغيير تسميته)، في إطار تجسيم برنامج الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة لتنفيذ برنامج دفع النشاط وتنشيط الاقتصاد الوطني وتسهيل الإطار القانوني والترتيبي لمناخ الأعمال والاستثمار.

ويهدف مشروع القانون الوارد في 28 فصلاً، الذي صادقت عليه الحكومة منذ أسبوعين وأحالته إلى البرلمان، إلى مكافحة الإقصاء المالي من خلال تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي لتعزيز الإدماج المالي قصد تمكين الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل والأشخاص وذوي الإعاقة والذين لهم قدرة على ممارسة نشاط اقتصادي أو الذين يتقنون مهنة أو حرفة أو نشاطاً مدراً للدخل من النفاذ إلى المنظومة المالية.

كذلك يهدف إلى مساعدة المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والتي تجد صعوبة في النفاذ إلى القطاع المالي من منتجات وخدمات تلبي حاجاتهم يتم توفيرها بطريقة مسؤولة مع دعم حمايتهم مما يسهم في تعزيز التمكين الاقتصادي والإدماج الاجتماعي وتحسين ظروف معيشة تلك الفئات غير القادرة على النفاذ إلى الخدمات المالية.

استعمال المنتجات والخدمات المالية

ويقترح المشروع توسيع مجال تدخل مؤسسات التمويل الصغير ليشمل إلى جانب الأشخاص الطبيعيين من الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل وذوي الإعاقة، الأشخاص المعنويين في إطار إحداث أو توسعة لنشاط اقتصادي أو الذين يستجيبون لجملة من الشروط المحددة.

وتحدد بموجب المشروع المبلغ الأقصى للقرض الصغير، إذ يصل حالياً إلى 40 ألف دينار (13.3 ألف دولار) بالنسبة إلى مؤسسات التمويل الصغير في شكل شركة خفية الاسم و10 آلاف دينار (3.3 ألف دولار) بالنسبة إلى جمعيات القروض الصغيرة.

تأثير إيجابي

وتعليقاً على هذا المشروع، أكد المتخصص المالي بسام النيفر، أن “مشروع مكافحة الإقصاء المالي سيكون له تأثير إيجابي في مستوى الزيادة في عدد الحسابات المصرفية والبريدية في تونس ولا سيما عدد التطبيقات الإلكترونية المجانية في مدة قصيرة”، مضيفاً في تصريحات إلى “اندبندنت عربية” أن “مشروع القانون المعروض سيعطي الإمكانية لأكبر عدد من التونسيين للانخراط في المنظومة المالية بأقل كلفة ممكنة إلى جانب إعطاء الفرصة لمؤسسات التمويل لتنتشر أكثر في البلاد”، موضحاً أن “مشروع القانون كافح الإقصاء المالي على عدة مستويات، إذ إن الأشخاص الطبيعيين الذين ليس لهم حساب بنكي أو بريدي كانت تشترط عليهم البنوك أو مؤسسة البريد الاستظهار (تقديم) شهادة عمل حتى يتمكنوا من فتح حساب بنكي أو بريدي جاري”، مشيراً إلى أنه “من خلال المشروع ستضمن الدولة لهذه الشريحة من الأشخاص فتح حساب جارٍ وأنه في حال رفض البنوك أو مؤسسة البريد لفتح حساب جارٍ فإن الدولة بواسطة أجهزتها وهياكلها ستضمن أين يمكن لهم فتح الحساب وتؤمن أيضاً وسيلة دفع إلكترونية مجاناً”.

وتابع أن “مشروع قانون مكافحة الإقصاء المالي سيؤمن انخراط جميع التونسيين في المنظومة المالية بصفة واضحة وشفافة”.

37  في المئة من التونسيين لديهم حسابات مصرفية

في غضون ذلك، أظهرت بيانات البنك الدولي أن 37 في المئة من التونسيين فحسب يملكون حسابات بمؤسسات مالية وأن النسبة تصل إلى 29 في المئة للنساء و32 في المئة لدى الأشخاص محدودي الدخل.

وكشفت البيانات أن الفجوة العمرية على مستوى ملكية الحسابات ليست مرتفعة في تونس مثلما هو الشأن في الأردن والمغرب، وأنها لا تزال مع ذلك في خانة العشرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشار إلى أن تقديرات الاستراتيجية الوطنية للتمويل الصغير بتونس تشير إلى أن ما بين 30 و40 في المئة من السكان البالغين (2.5 – 3.5 مليون نسمة)، وأكثر من نصف المؤسسات والمنشآت في تونس (245 – 425 ألف شركة مسجلة) ما زالوا محرومين من خدمات القطاع المالي الرسمي أو لا يحصلون على ما ينبغي الحصول عليه من هذه الخدمات على رغم وجود 12 مليون حساب مسجل في البنوك ومكاتب البريد.

وخلصت دراسة للبنك الدولي في عام 2015 أن ثلثي البالغين إما مستبعدين من خدمات القطاع المالي الرسمي أو لا يحصلون على قدر كاف من هذه الخدمات، كذلك عدد من لهم حساب في مؤسسة مالية رسمية لا يتجاوز 27 في المئة، وفضلاً عن ذلك، تظهر البحوث العالمية والمحلية أن هؤلاء الناس يمارسون أنشطة مالية ويضطرون إلى اللجوء إلى خدمات مالية غير رسمية قد تنطوي على أخطار وكلف باهظة.

هدف كمي

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد النقدي في الجامعة التونسية معز السوسي، إنه “بالرجوع إلى قانون المالية لعام 2024 الذي يمثل خطة وخريطة طريق عمل الحكومة فإن هناك دعماً للإدماج المالي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة والتشجيع على الادخار ودفع الاستثمار إلى جانب وجود محور في مشروع قانون المالية لهذه السنة يتعلق بمقاومة التهرب الضريبي وإدماج القطاع الموازي”.

وأشار السوسي إلى أن “الإدماج المالي ومكافحة الإقصاء المالي آلية مهمة جداً للحد من السوق الموازية والإقصاء المالي وسيوفر السيولة الضرورية للمصارف، إذ إنها ستتوافر على الأرصدة الكافية لمنح القروض وهي آلية تدعم نجاعة السياسة النقدية للبلاد.

ولفت في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن من أهم الإصلاحات على مستوى السياسة النقدية والمالية لتونس هو التصدي والتحسين من الإدماج المالي والتصدي للإقصاء المالي والحد من الاقتصاد الموازي والمشكلات المنجرة، مستدركاً “لكن عند الحديث عن زيادة عدد الحسابات المصرفية أو البريدية فإن الهدف من وراء ذلك لا يجب أن يكون كمياً فحسب”.

وأوضح السوسي أن “اقتصار الأمر على تسهيل النفاذ إلى القروض لا أرى أنه يتماشى مع هدف أسمى، ومن الأفضل طرح هذه الآليات بفتح حسابات بربطها ببعض الخدمات وتعميم عمليات الدفع الإلكتروني المؤمنة سريعاً ومنح بطاقات الدفع لكل المستخدمين والتوجه نحو التسهيل على المواطن بالهاتف الجوال أو البطاقة البنكية والتشجيع على إنجاز التحويلات المالية بالهاتف وترسيخ ثقافة تعاملات مالية جديدة للدفع والاستخلاص”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى