أوضاع غير مبشرة لسوق العقارات البريطانية .. أزمة رهونات وانخفاض 35 % أسوأ السيناريوهات
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المملكة المتحدة، أثبتت السوق العقارية قدرتها على الصمود بشكل جيد حتى الآن على الأقل. لكن مع تراجع الوضع الاقتصادي يوما بعد آخر، فإن قدرة السوق العقارية على الصمود باتت محل شك.
آخر البيانات المتعلقة بأسعار المساكن البريطانية أثارت القلق لدى المواطنين والحكومة والدوائر الاقتصادية والمستثمرين الأجانب على حد سواء. فقد انخفضت أسعار المساكن في المملكة المتحدة بأسرع معدل لها منذ 12 عاما، في الوقت الذي واصلت فيه معدلات الرهن العقاري في الارتفاع، إذ تراجعت أسعار العقارات بنحو 2.6 في المائة، وبذلك فقد كل منزل في المملكة المتحدة نحو 75 ألف جنيه استرليني من قيمته في المتوسط، حيث يعد ذلك التراجع الأكبر في أسعار المنازل في بريطانيا منذ 2011.
انخفاض أسعار الوحدات السكانية في المملكة المتحدة، وما يحمله من مدلولات سلبية بشأن أداء سوق العقارات البريطاني، لا يعني بالضرورة أن هناك انهيارا في قطاع الإسكان “حتى الآن” على الرغم من زيادة أسعار الفائدة 13 مرة من قبل لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، لكن ما قد يعنيه هذا أن هناك مخاطر تزداد يوما بعد آخر من أن يتحول الهبوط الهادئ إلى هبوط حاد وبشكل مفاجئ للجميع.
في الوقت الراهن ربما يكون التساؤل الأكثر شيوعا بين المعنيين بسوق العقارات البريطانية يدور حول مدى عمق واستمرار الانكماش في أسعار المساكن، وربما تكون الإجابة انه لا يوجد أحد يمكنه التكهن بشكل قاطع عما سيحدث خلال الأشهر المقبلة، خاصة أن جميع المؤشرات تشير إلى أن بنك إنجلترا سيواصل سياسته الراهنة في رفع أسعار الفائدة في ظل الإخفاق الحالي في السيطرة على التضخم.
ويقول لـ”الاقتصادية”، الخبير العقاري أنجوس كولين “اتسمت سوق العقارات بالمرونة حتى الآن لسببين الأول أن عدد السكان في المملكة المتحدة في تزايد مستمر، وجزء من تلك الزيادة يعود إلى صافي الهجرة الذي بلغ أكثر من 600 ألف شخص العام الماضي، وهذا أدى إلى وجود طلب حقيقي على العقارات”.
وأضاف “العامل الثاني يتمثل في أن الجزء الأكبر من أصحاب العقارات في المملكة المتحدة لم يشعروا بعد بالضغط الناجم عن رفع أسعار الفائدة، حيث إنهم مرتبطون برهن عقاري بسعر فائدة ثابت، لكن بحلول نهاية العام فإن 20 في المائة من مالكي الوحدات السكانية في المملكة المتحدة ستنتهي عقود الرهن العقاري الخاصة بهم والمرتبطة بأسعار الفائدة السابقة التي كانت تقارب الصفر، وسيكون عليهم تجديد عقود الرهن العقاري وفقا لأسعار الفائدة الجديدة المرتفعة، وبحلول 2024 سيقوم نحو 40 في المائة من مالكي العقارات في بريطانيا بتغيير الرهن العقاري”.
ويؤكد أنجوس كولين أن المشهد يبدو غير مبشر كثيرا في سوق العقارات البريطانية.
علامات التحذير واضحة وأجراس الإنذار تدق، خاصة إذا واصلت أسعار الفائدة في المملكة المتحدة الارتفاع، إذ سيحدث ذلك انخفاضا حادا في طلبات الرهن العقاري وستواصل أسعار العقارات الانخفاض.
ويصبح التساؤل ما مدى الانخفاض المتوقع؟
تقول لـ”الاقتصادية” إمي ديلتون المحللة المالية في قسم الرهن العقاري في مجموعة “ليدز بيلدنج سوسيتي”، إذا استمرت معدلات الرهن العقاري عند مستواها الحالي لعدة أعوام فإن أسعار المنازل ستتراجع بنسبة 25 في المائة، لكن من المرجح أن ينخفض التضخم في المملكة المتحدة ابتداء من النصف الثاني من 2024، وحينها سيتوقف بنك إنجلترا عن سياسة رفع أسعار الفائدة، وحتى ذلك الحين يمكن أن تنخفض أسعار العقارات بنسبة 12 في المائة.
تنسجم تقديرات إمي ديلتون مع تقديرات بعض من كبار مقرضي الرهن العقاري في المملكة المتحدة الذين يتوقعون أن تشهد الأسواق انهيارا لم تشهده من قبل، فبنك لويدز أحد أكبر البنوك البريطانية توقع أن تنخفض أسعار العقارات في أسوأ السيناريوهات بنسبة 35 في المائة.
بالنسبة لكثير من الخبراء فإن تلك الصورة القاتمة في الأسواق العقارية كان من الواجب على صانع القرار الاقتصادي توقعها، كما أنه كان لديها من الإمكانات من يسمح له بتجنبها
من جهته، يقول لـ”الاقتصادية” الدكتور جونسون بتري أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة لندن “كان يجب على الحكومة والبنك المركزي أن يتوقعا انتهاء حتميا لأكثر من عقد من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية وبشكل غير مسبوق، وكان يجب عليهما الاستعداد لذلك”.
ويضيف “كان هناك تدخلات اقتصادية غير موفقة، فخلال فترة كورونا ألغت الحكومة رسوم الدمغة العقارية ما صب الوقود على النار في سوق العقارات المحموم بالفعل، كما أن مخطط الحكومة للمساعدة في شراء المنازل زاد من الطلب دون أن يكون لدى هؤلاء المشترين القدرة على مواصلة دفع قيمة القسط الشهري للرهن العقاري، أيضا فشلت كل الجهود المبذولة للجم التضخم، ونتيجة لذلك فإن الزيادة الحادة في تكلفة الرهن العقاري تعرض أسعار المنازل لخطر الانهيار بنسبة تصل إلى 35.5 في المائة من الآن حتى 2027، وسيكون هذا أسوأ وضع منذ خمسينيات القرن الماضي. فخلال أزمة 2008 تراجعت الأسعار بنسبة 20 في المائة فقط”.
تشير التقديرات إلى انخفاض قدرة المواطن البريطاني على تحمل تكاليف شراء منزل في الوقت الحالي، بحيث وصلت إلى أدنى مستوى لها في 150 عاما، إذ تبلغ أسعار المساكن الآن أكثر من تسعة أضعاف متوسط الراتب، وهي نسبة لم يشهدها الاقتصاد البريطاني منذ 1876. وفي حال بلغت أسعار الفائدة في المملكة المتحدة نسبة 6 في المائة فإن أكثر من نصف دخل المواطن سيذهب إلى سداد أقساط الرهن العقاري، ويتخوف كثير من الخبراء من هذا الوضع لأنه يعني إضعاف القوة الشرائية للأسر البريطانية، ما سيترك بصمة سلبية على النمو الاقتصادي ككل.
مع هذا لا يزال البعض يراهن على أن سوق العقارات سيشهد خلال الـ12 شهرا المقبلة تصحيحا وليس انهيارا بسبب نقص المعروض من الوحدات السكانية وانخفاض معدلات البطالة.
ويؤكد لـ”الاقتصادية” مارك هارت الخبير في سوق الإقراض العقاري، أن عدم التوازن بين العرض والطلب سيدفع بأسعار المساكن إلى الارتفاع مرة أخرى، حيث إن عدد المشترين أكثر من المنازل المتاحة، والحكومة أخفقت في الوصول إلى هدفها لبناء 300 ألف منزل سنويا، ومع ارتفاع أسعار الفائدة من المحتمل جدا أن تتكيف أسعار المنازل مع ذلك.
في الوقت الحالي يئن معظم مالكي المنازل في المملكة المتحدة، فقيمة المنازل في انخفاض، ما يعني عمليا انخفاض ثروة الأسر البريطانية، وأصحاب القروض العقارية الرخيصة يتعرضون لصفعة تلو الأخرى بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وحاليا يوجد نحو 3.2 مليون شخص يدفعون معدلات فائدة تبلغ 3 في المائة أو أكثر، وبحلول نهاية العام المقبل سيرتفع هذا العدد إلى 5.8 مليون شخص نظرا لتأثير ارتفاع أسعار الفائدة، وبحلول 2025 سيدفع أكثر من 75 في المائة من أصحاب الرهون العقارية معدلات فائدة لا تقل عن 3 في المائة.
ومن المتوقع أن يبلغ عدد مالكي المنازل غير القادرين على سداد الأقساط الشهرية 145 ألف شخص، وفي 2025 سيصل عدد المنازل التي سيحجز عليها من البنوك إلى أعلى مستوى له منذ 2014، وسيفقد 58 ألف شخص منازلهم في الفترة من 2023 إلى 2026. وكثير من المواطنين غير القادرين على سداد الأقساط الشهرية للرهن العقاري سيكون بيع المنزل الخيار الأكثر واقعية بالنسبة لهم.
Source link