عالمي

أزمة الصين الاقتصادية يعمقها غياب الشفافية

لطالما شككت الدوائر الغربية، الرسمية وتلك المتعلقة بالأعمال، في البيانات والأرقام التي تصدر من بكين على أساس أن الحكومة الصينية تتحكم في المعلومات بشكل يفتقر إلى الشفافية التي يتطلبها أي اقتصاد سوق. ولأن الاقتصاد الصيني أصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، فإن كل ما يتعلق به له تأثير خارج الصين ويمس الاقتصاد العالمي كله. وبدلاً من الانفتاح أكثر على العالم وتبني الشفافية في البيانات والأرقام الرسمية، يرى كثر من الاقتصاديين والأكاديميين والمحللين في الغرب أن التحكم في كل ما يتعلق بحالة الاقتصاد زاد منذ تولي الرئيس تشي جينبينغ السلطة عام 2012.

في عددها الأخير هذا الأسبوع، واصلت مجلة “إيكونوميست” ملفاً واسعاً حول مأزق الاقتصاد الصيني الذي يتجاوز تباطؤ النمو ومشكلات القطاع العقاري وغيره من القطاعات. وفي القلب من ذلك المأزق، بحسب تحقيقات وتقارير المجلة، غياب الشفافية وفرض الرقابة الصارمة على أي تعليقات عن وضع الاقتصاد أو القيام بالأبحاث والدراسات التي تتعامل مع المشكلات المتزايدة فيه، ناهيك طبعاً عن انتقاد أي من السياسات الاقتصادية والمالية الحكومية.

يعكس ذلك تناقضاً مع رغبة بكين في زيادة الاستثمار الأجنبي فيها، بخاصة مع تقييد الحكومة الأميركية الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا الصينية وغيرها. لكن المشكلة تتجاوز متطلبات الشركات والمستثمرين الأجانب بشأن حالة الاقتصاد والسياسات والقواعد والقوانين، وتتعلق أيضاً بالمعلومات والبيانات والأرقام التي على أساسها يضع كبار المسؤولين في بكين السياسة الاقتصادية والمالية للبلاد.

زيادة القيود على الرأي

يضرب أحد تقارير المجلة مثالاً بمقال للاقتصادي الصيني الشهير تشاو جيان الشهر الماضي تم حظره وإزالته من موقع النشر بعد ساعات. ذلك لأنه أعرب عن الاستغراب من عدم إقدام الحكومة الصينية على تنشيط الاقتصاد بكل ما يتطلبه ذلك. وأشار في مقاله المحذوف إلى أن “المنطق والقيود التي تتعلق بصناعة القرار لا يمكن أن تفهمها السوق”. مع أن قمع الرأي في الأغلب يكون في القضايا السياسية، إلا أن ذلك الآن أصبح يطاول أي مناقشة لقضايا الاقتصاد، بحسب المجلة.

فالأكاديميون والخبراء الذين يحاولون النقاش حول القضايا الاقتصادية الملحة يتم إسكاتهم، والبيانات التي كانت متوافرة أصبحت نادرة في المجال العام. ومن شأن ذلك أن يحد من قدرة المواطنين على إبداء الرأي في قضايا الاقتصاد، بل ويضر أيضاً بفرص الاستثمار. وربما كنت النقطة الأهم هي ما طرحه تشاو في مقاله المحذوف من تساؤل – يبدو استنكارياً – حول ما تعرفه السلطات عن الاقتصاد ولا يعرفه الناس ومدى دقة المعلومات التي على أساسها تتخذ القرارات الاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان المهتمون بالصين في الغرب والعالم يتوقعون أن تصبح البيانات والأرقام حول الاقتصاد أكثر شفافية بمرور الوقت وزيادة الارتباط بالاقتصاد العالمي. ومع أن ما يصدر عن مكتب الإحصاء الوطني كان غالباً محل شك، إلا أنها كانت بيانات وأرقام تساعد في تقدير توجه الاقتصاد. لكن يبدو أن العكس هو ما حدث، كما يرى عدد من الاقتصاديين والمراقبين للوضع الصيني، حيث تبدو بعض البيانات والأرقام مناقضة للواقع.

فمثلاً، بالنسبة لبيانات حساب رأس المال الصيني كان هناك تباين بين أرقام الجمارك وأرقام ميزان المدفوعات في السنوات الأخيرة بلغ 230 مليار دولار. ووصل الأمر إلى مطالبة وزارة الخزانة الأميركية بكين بتوضيح الفارق في الأرقام. وجاء التفسير الرسمي الصيني أكثر غموضاً، بحسب المسؤولين الأميركيين. وفي 19 أغسطس (آب) الماضي توقفت البورصة الصينية عن نشر بيانات يومية عن انسياب رؤوس الأموال الأجنبية، وهو مؤشر مهم لقياس نظرة المستثمرين للسوق والاقتصاد. وسيتم نشر البيانات والأرقام كل 3 أشهر.

إخفاء الحقائق

لا يتعلق الأمر فقط بإخفاء البيانات والأرقام عن الخارج، وهو ما قد تبرره السلطات بأنه لاعتبارات “الأمن القومي”، مع أن الأسواق والمستثمرين بحاجة للشفافية بشأنها إذا كانوا سيفكرون في الاستثمار في هذا البلد أو ذاك. وأصبحت البيانات والأرقام الرسمية أكثر تناقضاً مع الواقع الذي تلمسه الشركات ورجال الأعمال في الحقيقة. فالبيانات الرسمية تشير إلى أن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي عادت إلى مستويات ما قبل وباء كورونا، ذلك على رغم أزمة القطاع العقاري وتراجع الاستثمار في البنية التحتية.

منتصف العام الماضي 2023 ذكر بروفيسور في جامعة “بكين” أن هناك 16 مليون شخص من دون عمل لا تتضمنهم إحصاءات البطالة الرسمية لأنهم ما عادوا يبحثون عن عمل. وأكد أستاذ الاقتصاد أنه لو شملت البيانات الرسمية هذا العدد فإن معدلات البطالة بين الشباب ستكون عند نسبة 46 في المئة. وبعد شهر مما أعلنه البروفيسور توقف مكتب الإحصاء الوطني عن إصدار أرقام البطالة بين الشباب. ثم عاد المكتب مطلع هذا العام ليصدر أرقاماً “محسنة” جاءت أقل حتى من سابقاتها.

وهناك تضييق شديد على أي انتقادات للسياسات الاقتصادية أو مناقشة مشكلات القطاعات علناً. كما أن الحكومة اتخذت إجراءات مشددة تقيد أي حديث مع الأجانب حول القضايا الاقتصادية، وكذلك الحد من الدراسات الأكاديمية في الجامعات وغيرها من مراكز الأبحاث والتي قد تظهر الجوانب السلبية في الاقتصاد.

لذا تشكو شركات الأبحاث والاستشارات من عدم قدرتها على تحليل الأوضاع في الصين وبالتالي عدم قدرتها على تقديم المشورة للمستثمرين الأجانب بشأن أعمالهم المحتملة في الصين. يتعارض ذلك مع ما تعلنه حكومة الرئيس تشي من أنها تريد جذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد. كما أنه يزيد من قلق المواطنين بشأن المستقبل نتيجة عدم قدرتهم على معرفة الواقع الحقيقي للاقتصاد وبالتالي عدم القدرة على التخطيط لما بعد.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى