عربي

أثر سياسات ترمب الحمائية قد يطول كل شخص في العالم

في وقت سابق من هذا الشهر، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مذكرة رئاسية أمر فيها بإعداد خطة شاملة “لإعادة العدالة” إلى العلاقات التجارية الأمريكية “والتصدي للترتيبات التجارية التي لا تنطوي على معاملة بالمثل” سعيا لما وصفه بيان للبيت الأبيض بأنه “تصحيح الاختلالات في التجارة الدولية والتأكد من تحقيق العدالة على كل الأصعدة”.

أكد بيان البيت الأبيض وقتها أن “أمريكا لن تتسامح بعد الآن مع سياسات التجارة غير العادلة”، مشيرا إلى عدة دول تفرض رسوما جمركية على سلع أمريكية بنسب أعلى من التي تفرضها الولايات المتحدة على بضائع مماثلة من تلك الدول.

وذكر أن تقريرا يعود لـ2019 أظهر فرض رسوم على المصدرين الأمريكيين في 132 دولة تعادل أكثر من ثلثي ما تفرضه الولايات المتحدة.

سبق هذا البيان الأمريكي شد وجذب بين واشنطن وحلفاء تجاريين رئيسيين وتهديدات أمريكية بفرض رسوم جمركية على دول، بينها الجارتان كندا والمكسيك، إضافة إلى الصين، وحتى الاتحاد الأوروبي.

وقابل تلك التهديدات تلويح بمعاملة مماثلة، ما خلق مخاوف بشأن حرب تجارية عالمية، تشهر فيها كل دولة سلاح الرسوم الجمركية في وجه الولايات المتحدة بعد أن أخرجت الأخيرة السلاح ذاته من غمده مع بدء الولاية الجديدة لترمب.

تلك الحرب التجارية العالمية، إن اندلعت، فقد لا تكون أي دولة بمعزل عنها، حتى لو لم تشارك فيها، بل إن أي فرد في العالم لن يسلم من أذاها، وفقا لتقارير.

المستهلك المحلي

الرسوم الجمركية هي نوع من الضرائب التي تفرضها الدولة على السلع الواردة من الخارج، ويكون الهدف منها في الأغلب حماية المنتج المحلي من منافسة المنتج الأجنبي عبر زيادة تكلفة الاستيراد، ومن ثم ارتفاع سعره تلقائيا، ما يعطي مساحة جيدة أمام المحلي للمناورة.

وعندما تستخدم هذه الرسوم للإضرار باقتصاد بلد ما، فقد يلجأ ذلك البلد المستهدف إلى الرد بالمثل، وقد يتحول الأمر إلى سلسلة من الرد والرد المماثل، وهنا تسمى حربا تجارية.

تضاف هذه الرسوم الجمركية إلى تكلفة المنتج، ويتحملها المستهلك في نهاية المطاف في صورة زيادة في الأسعار وارتفاع في معدلات التضخم. لذلك، فإن الضرر المباشر يقع على المستهلك.

مع ارتفاع الأسعار، قد يلجأ المستهلك إلى الاستغناء عن السلع التي قد يراها غير ضرورية، أو يلجأ إلى المنتج المحلي إذا توفر بثمن في متناول اليد. لكن اتساع دائرة الاستهداف في الحروب التجارية يجعل الضرر الواقع على المستهلك من هذه الإجراءات المتبادلة محتوما في الدول المتحاربة.

في الولايات المتحدة نفسها، أشارت تقديرات إلى أنه في أسوأ السيناريوهات التي لا يستبدل فيها المستهلكون المنتجات الأمريكية بالمستوردة، فقد يصل الأثر الاقتصادي للرسوم الجمركية المضادة إلى 835 دولارا للفرد، أو3242 دولارا للعائلة المكونة من 4 أفراد.

فجزء كبير من المنتجات الطازجة التي يستهلكها الأمريكيون يأتي من خارج البلاد، إذ يتم استيراد نحو نصف الخضراوات، و40% من الفواكه التي تستوردها الولايات المتحدة، من المكسيك.

لكن هل يكون المستهلك خارج الدول المتحاربة الاقتصادية في مأمن، بعيدا عن منطقة الصراع الجمركي تلك؟ هذا هو السؤال الذي يشغل بال سكان كثير من الدول غير المنخرطة في هذا الصراع.

تجربة سابقة.. أثر على الاقتصاد العالمي

لا يتوقف أثر الحرب التجارية عند حدود الدول المتورطة في هكذا صراع، إذ من المحتم أن تؤدي أي حرب تجارية ممتدة بين دول صناعية كبرى كالصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي. وتتأثر اقتصادات الدول ببعضها بعضا، ويؤثر بعضها في بعض.

وفي كل مرة يهدد ترمب بفرص مزيد من الرسوم الجمركية، أو يعلن قرارا بفرضها على دولة ما أو عدة دول، تشهد أسواق المال وأسواق المعادن وأسواق الطاقة تقلبات شديدة كرد فعل مباشر على ما يصدر عن سيد البيت الأبيض.

وشهد عاما 2018-2019 تصعيدا متبادلا للرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، طال تدفقات تجارية بقيمة 450 مليار دولار، ما أدى إلى تقلص التجارة بين البلدين، وفقا لـ “المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية” وهو مؤسسة غير ربحية أمريكية مقرها الحالي كامبريدج.

أشار المكتب إلى أن الصادرات الأمريكية إلى الصين انخفضت بنسبة 26.3% وقتها، بينما تراجعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 8.5%. في المقابل، ارتفعت الصادرات الأمريكية إلى بقية العالم بنسبة 2.2%، وزادت صادرات الصين إلى العالم خارج الولايات المتحدة بنسبة بلغت 5.5%. لكن أثر ذلك التصعيد لم يتوقف أبدا عند حدود البلدين.

لا أحد قد يكون سالما

تحذر مؤسسة “إس.آند.بي جلوبال” من أن أي حرب تجارية تطلق شرارتها الولايات المتحدة، ستلحق ضررا بالغا بالاقتصاد العالمي، خاصة مع تصاعد الإجراءات الحمائية.

وتشير المؤسسة العالمية إلى أن الدول التي تقف على الحياد تتأثر بصورة غير مباشرة بمثل هذه الحروب التجارية، تتمثل في تراجع الطلب على الصادرات، إما عبر سلاسل الإمداد أو بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.

وترى “إس.آند.بي جلوبال” أن هذه التداعيات يفوق أثرها أي مكاسب محتملة من تحول مسار التجارة إلى دول أخرى لتجنب الرسوم الجمركية المرتفعة.

وقالت: إن حجم الناتج المحلي الإجمالي في العالم جرى خفضه هذا العام 0.1% بسبب سيناريو الإجراءات الحمائية، مقارنة بـ0.8% في 2019 و1.4% في 2020، عندما كان ترمب أيضا في السلطة.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى