كيف تلعب شركات الطاقة دورا رئيسيا في مستقبل منخفض الكربون؟
تعد شركات النفط جزءاً رئيسياً من التحول لمستقبل منخفض الكربون، وذلك في وقت تستغل فيه التقدم التكنولوجي وما قد يوفره الذكاء الاصطناعي من فرص على سبيل المثال، من أجل تحسين عملياتها، لتصبح أكثر كفاءة في سياق خفض الانبعاثات الضارة.
وقد أبدت 20 شركة نقط وغاز عالمية استعدادها لوضع هدف للوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول أو قبل العام 2050، طبقاً لما ذكره وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، والرئيس المعيَن لمؤتمر الأطراف “COP28“، الدكتور سلطان الجابر، خلال الكلمة الافتتاحية التي ألقاها في النسخة التاسعة والثلاثين من معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول “أديبك 2023”.
- ولقد شكّل أديبك على مدى ما يقرب من أربعين عاماً منصة عالمية للدفع بالحوار العالمي حول قطاع الطاقة إلى الأمام.
- وفي العام 2023 الذي تهيمن فيه العلاقة ما بين الطاقة والمناخ على أجندات الحكومات، يقوم أديبك مجدداً بجمع أبرز الشخصيات القيادية من القطاع الحكومي وقطاع الطاقة لمناقشة التحديات والفرص الناجمة عن الانتقال في قطاع الطاقة، بحسب ما ذكره رئيس شركة “دي إم جي إيفنتس”، الجهة المنظمة لـ”أديبك 2023″، كريستوفر هدسون.
- يشهد الملتقى مشاركة أكثر من 2200 شركة عارضة، منها 54 شركة من شركات النفط الوطنية وشركات النفط العالمية الكبرى، وغيرها من الشركات التي تعمل في جميع مجالات سلسلة القيمة لقطاع الطاقة.
- تتوزع الشركات على 30 جناحاً مخصصاً للدول المشاركة، وسيجتمع المشاركون من أجل تحقيق هدف مشترك، وهو إزالة الكربون بشكل أسرع، وضمان مستقبل آمن، وابتكار نظام طاقة قادر على تلبية احتياجات المستقبل بشكل أسرع.
إزالة الكربون
ويعد هدف “إزالة الكربون” وخفض الانبعاثات من الأهداف والتحديات الرئيسية التي تواجه الشركات العاملة بالقطاع في المرحلة الحالية، مع تبني استراتيجيات واسعة لتحقيق ذلك الهدف العالمي، ضمن الجهود الدولية التي يتشارك فيها الجميع للحد من آثار التغير المناخي.
ومن المتوقع أن يكون مستقبل شركات النفط والغاز تحت تأثير متزايد لمكافحة تغير المناخ وتقليل الانبعاثات. وثمة بعض التقنيات التي قد تساعد في ذلك، تشمل:
- الطاقة المتجددة: استثمار شركات النفط والغاز في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح يمكن أن يخفض بشكل كبير الانبعاثات.
- تكنولوجيا الكربون المستدامة: تطوير تقنيات للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وللتقاط وتخزين الكربون يمكن أن يسهم في تقليل التأثير البيئي.
- تحسين الكفاءة: تطوير التقنيات والعمليات لزيادة كفاءة استخراج وإنتاج النفط والغاز يمكن أن يقلل من الانبعاثات.
- استخدام الهيدروجين: الاستفادة من الهيدروجين كوقود نظيف قد يكون جزءًا من مستقبل الصناعة.
- تحسين نقل وتخزين الطاقة: تحسين شبكات النقل وتخزين الطاقة لزيادة فعالية النقل وتقليل الفاقد.
- البحث والتطوير المستدام: استثمار في البحث والتطوير لاستكشاف وتطوير تقنيات جديدة للحد من الانبعاثات.
وبحسب مختصين، يمكن أن تتكيف شركات النفط والغاز مع هذه التغييرات التقنية والبيئية للمساهمة في تحقيق أهداف الاستدامة والحفاظ على مكانتها في المستقبل، وهو دور كبير تقوم به تلك الشركات في هذا السياق كشريك أساسي في تلك الجهود العالمية.
شركات النفط جزء أساسي من التحول
وفيما يُنظر إلى شركات النفط والغاز باعتبارها جزء أساسي من جهود التحول إلى مستقبل منخفض الكربون، أوضحت أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن “شركات النفط والغاز لديها من الخبرة الكافية لتضطلع بمسؤولياتها تجاه المجتمع لإعادة بناء البنية التحتية للطاقة في العالم، والتي تساعد على خفض انبعاثات سلاسل القيمة العالمية.
وأشارت إلى أن الشركات “تمتلك أحدث وسائل التكنولوجيا والملف المعرفي لعملية تخزين والتقاط الكربون، كما تستطيع أن تثبت للعالم أن الغاز والطاقة المتجددة متكاملان وليس متنافسين باستراتيجية التقاط الكربون”.
واستدلت الخبيرة الاقتصادية بتصريحات المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، التي ذكر فيها أن شركات الطاقة يمكنها أن تنفق 600 مليار دولار حتى العام 2030 من أجل خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 60 بالمئة، موضحة أنه بينما العالم يتحمل ضغوطاً كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، فإن الشركات الكبرى تعيد توجيه جزءاً من أرباحها من أجل خفض البصمة الكربونية.
وتعكس التطورات الجيوسياسية التي شهدها العالم، وأزمة الطاقة التي أثيرت في هذا السياق، مدى أهمية الدور الذي يؤديه النفط والغاز في الاقتصاد العالمي والتأثير الواسع لهذا القطاع.
وبحسب علي، فإن “شركات النفط غير مطالبة بوقف البحث والتنقيب.. مازال العالم بحاجة إلى الوقود الأحفوري ولكن بالتوازي مع ذلك العمل على خفض الانبعاثات، عبر عديد من الآليات من بينها إنشاء شبكات حديثة لنقل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه لاستخدامه فى بعض الصناعات التي تحتاجه على سبيل المثال”، لافتة إلى هناك حوالي 34 بالمئة من الشركات العالمية لديها أهداف الحياد الكربوني، ولكن بعض من هذه الشركات تسير بفعل الضغوط الجيوسياسية بوتيرة بطيئة حالياً وبالتالي قد لا تحقق أهدافها بحلول 2030.
المسؤولية الاجتماعية
وتابعت في هذا السياق: “من منظور المسؤولية المجتمعية تعمل بعض الحكومات على تقنين آلية تخزين الكربون والتقاطه طبقا لتعهداتها فى مسألة التحول الطاقي، على سبيل المثال فإن مصر قدمت ترجمة حقيقية وعملية لاستراتيجية التحول الطاقي باستراتيجية التغيرات المناخية 2050 وذلك للوصول إلى حيادية الكربون أو صفر انبعاثات كربونية، ووضعت التحول الطاقي نصب أعينها بالاتجاه إلى مزيد من توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الهيدروجين الأخضر وقود المستقبل”.
وشددت على ضرورة تفعيل المسؤولية الاجتماعية نحو عالم “صفر كربون”، لافتة إلى أن ذلك يحقق عبر زيادة مشروعات الطاقة المتجددة وفرض قيود بشكل أكبر لخفض الانبعاثات، واستخدام ديناميكية الوسائل التكنولوجية في هذا الخفض، وإدارة ملف المخاطر بمزيد من الاهتمام بالتوسع في التقاط الكربون، وذلك من أجل المستقبل الأخضر، “فالتغيرات المناخية لا ترحم أحداُ، لذلك على الحكومات أن تسعى بخطوات ملموسة نحو نموذج تنموي مستدام”.
احتواء الجميع
والعالم بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 43 بالمئة على الأقل بحلول 2030 لتفادي تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض عن مستوى 1.5 درجة مئوية، بحسب الجابر الذي ذكر في كلمته الافتتاحية، أنه “يجب احتواء الجميع ومشاركة المعنيين كافة خاصة من قطاع الطاقة في COP28 لتحقيق أهداف تحول الطاقة”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن “الخفض التدريجي لاستخدام الوقود التقليدي أمر طبيعي ومتوقع، لكنه يجب أن يكون جزءاً من خطة شاملة للانتقال في قطاع الطاقة على نحوٍ عادلٍ وسريع ومنظَّم ومسؤول ومنطقي”.
وجدد الجابر إلى ضرورة مضاعفة قدرة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات إلى 11 ألف غيغاوات بحلول العام 2030، مشدداً على أن هذا الهدف يحظى الآن بدعم 85 بالمئة من اقتصادات العالم. كما ذكر في الوقت نفسه أن الاستثمارات في تكنولوجيا الطاقة النظيفة بلغت مستوى قياسي قدره 1.7 تريليون دولار في العام الماضي.
خطط الاستدامة وخفض الانبعاثات
وبدوره، أحال الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى بيانات وكالة الطاقة الدولية التي تشير إلى أن ذروة الطلب على النفط والغاز ستكون في العام 2030، وهو ما ينذر بأن يؤثر ذلك بشكل كبير على الاستثمارات في مجالات النفط والغاز على المدى البعيد والمتوسط.
وأشار إلى أن حديث وكالة الطاقة الدولية جاء مغايراً لنظرة منظمة أوبك، لأن العالم سيبقى معتمداً على النفط والغاز لعقود قادمة حتى أنه سيرتفع الطلب على النفط في حدود 23 بالمئة حتى العام 2045، وفق التقديرات، وبالتالي هناك ارتفاع في الطلب على النفط، ولا سيما مع النمو السكاني.
- ذكرت أوبك في تقريرها الشهري الأخير الصادر في سبتمبر، أن نمو الطلب على النفط خلال عام 2023 بقي دون تغيير عند 2.4 مليون برميل يوميا، وذلك بعد مراجعة البيانات الواردة عن الولايات المتحدة والصين وغيرها من الدول.
- كما أبقت أوبك على توقعات الطلب على الخام خلال العام المقبل عند 2.2 مليون برميل يوميا، دون تغيير عن التوقعات في تقريرها السابق.
لكنه أضاف أن هناك نمواً في الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والسيارات الكهربائية، وهو مؤشر على أن حصة النفط من الطاقة في العالم ربما ستكون مهددة إذا ما استمر النمو في استهلاك السيارات الكهربائية، خاصة وأن قطاع النقل يستحوذ تقريبا على 60 بالمئة من استهلاك النفط العالمي.
كما ذكر أن شركات النفط العالمية تعي الحقيقتين وتضع خططها لهما؛ ففي البداية تحاول خفض الانبعاثات الكربونية من خلال تقنيات حديثة، مشيراً إلى أن شركات بالفعل بدأت بها (..) وهذه الآلية تسمى الاقتصاد الدائري، والتي تتضمن التقاط الكربون المنبعث من عمليات الإنتاج والتكرير وبالتالي تخزين هذا الكربون وفي أحيان أخرى استخدامه.
البصمة الكربونية
وأضاف أن هذه الآليات التي تستخدمها الشركات لتخفيف بصمتها الكربونية والتماشي مع متطلبات مؤتمرات المناخ العالمية، والموازنة بين تحقيق أمن الطاقة، والموازنة بين الإنتاج للوقود الأحفوري، وبين النمو في الطاقة المتجددة، لافتاً إلى أنه لهذه الأسباب بدأت بعض شركات الطاقة بعض الخطط في الاستدامة ودخول مجال الطاقة المتجددة، وبالتالي صار لها بعض المشاريع في الطاقة المتجددة للتماشي مع المتطلبات الدولية ومتطلبات البيئة لخفض الانبعاثات الكربونية.
ورأى الشوبكي أن العالم سيظل يعتمد على النفط والغاز لعقود مقبلة، موضحاً في الوقت نفسه أنه بالنسبة للنفط مازالت هناك فجوة بين العالم الحديث الذي يتطور به استخدام السيارات الكهربائية، ودول العالم الثالث التي مازالت تحكمها أولويات مختلفة، ولذلك لا نرى بنية تحتية مؤهلة لانتشار السيارات الكهربائية فسيكون هناك حاجة للوقود الأحفوري لعقود قادمة لهذا السبب.
وتابع أن الطاقة المتجددة غير اعتمادية ومتذبذبة والدول التي تعتمد عليها بشكل كبير تتعرض لصدمات طاقة بمختلف الظروف فما تزال الطاقة مكلفة بشكل كبير، على حد تعليقه.
وبشأن الآليات التي تستخدمها الشركات للتطوير، فقال خبير النفط إن تحقيق التطور يكون بالدخول في مجال الهيدروجين الأخضر، فشركات إنتاج الغاز والنفط تتحفز لهذا القطاع بشكل كبير، كما أن هناك مخططات للدخول في مشاريع ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومن ثم الأمونيا للوصول لإمكانية تصديرها عبر السفن، عدا إمكانية تصدير الهيدروجين فيعتقد أنه سيكون متاح للصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة.
نقص الاستثمارات يهدد أمن الطاقة
وقال الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هيثم الغيص، الاثنين، خلال المؤتمر، إن أوبك متفائلة بخصوص الطلب وترى أن نقص الاستثمار يشكل تهديدا لأمن الطاقة. كما أكد على أهمية مواصلة الاستثمار في قطاع النفط والغاز وقال إنه يرى أن الدعوات لوقف الاستثمار ستأتي بنتائج عكسية. وشدد الغيص على أن نقص الاستثمارات في قطاع النفط والغاز قد يعرض أمن الطاقة العالمي للخطر.
وفي وقت سابق، الشهر الماضي، أكد الأمين العامة لمنظمة “أوبك”، هيثم الغيص، أن التخلي عن الوقود الأحفوري “سيؤدي إلى فوضى في مجال الطاقة على نطاق غير مسبوق، وسيُحدث عواقب وخيمة على الاقتصادات ومليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم”.
فعاليات أديبك
ويشار إلى أن معرض “أديبك” يضم على قائمة فعالياته هذا العام مؤتمرين استراتيجيين جديدين، وذلك استجابةً للنمو المتسارع للدور الذي يلعبه الهيدروجين في تحقيق الخطة العالمية لكبح الانبعاثات الكربونية:
- المؤتمر الاستراتيجي للهيدروجين يناقش الدور الذي يلعبه الهيدروجين في الاقتصاد العالمي، وأحدث الابتكارات التكنولوجية في هذا المجال، والاستراتيجيات القريبة والبعيدة المدى، والحراك المطلوب للدفع بالاقتصاد المستقبلي للهيدروجين.
- مؤتمر الحد من انبعاثات الكربون يشهد جلسات استراتيجية تركز على مناقشة الحاجة الملحة للسياسات المبتكرة؛ والاستثمارات الجديدة؛ والتطور التقني؛ ومصادر الطاقة الجديدة؛ وإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة.
- ومن الفعاليات الجديدة التي يقدمها المعرض لهذا العام أيضاً، فعالية “محادثات أديبك للطاقة”، التي ستضم 18 مقابلة هامة ومتعمقة، مع كبار المسؤولين التنفيذيين العالميين في القطاع، وقادة الحكومات، وخبراء القطاع.
ويقدم “أديبك” أيضاً مجموعة من الجلسات التي تم تنسيقها لمناقشة عدد من أهم تحديات المناخ والطاقة، حيث تستعرض هذه الجلسات وجهات النظر والخبرات المتفردة لمجموعة عالمية من الخبراء، سيعملون من خلالها على المساعدة في تشكيل التعاون الدولي، فيما يستعرضون الاستراتيجيات والابتكارات التكنولوجية الضرورية لتسريع الوصول لطاقة مستقبلية أكثر نظافة واستقراراً.
Source link