كيف تخطط السعودية لبقاء اقتصادها في نادي الـ”تريليون دولار”؟
تستهدف السعودية تجاوز حجم اقتصادها أربعة تريليونات ريال (1.1 تريليون دولار) لخمسة أعوام متتالية تمتد من 2022 حتى عام 2026 للمرة الأولى، بحسب ما أظهرت وثيقة الميزانية التمهيدية لعام 2024 الصادرة عن وزارة المالية.
كان الناتج المحلي لأكبر اقتصاد عربي تجاوز أربعة تريليونات ريال للمرة الأولى عام 2022، مسجلاً 4.156 تريليون ريال (1.11 تريليون دولار)، ويتوقع بلوغه 4.136 تريليون ريال (1.1 تريليون دولار) في 2023، ونحو 4.26 تريليون ريال (1.14 تريليون دولار) في 2024، ثم 4.5 تريليون ريال (1.2 تريليون دولار) في 2025، وصولاً في 2026 إلى 4.8 تريليون ريال (1.3 تريليون دولار).
يأتي ذلك في ظل الإنفاق الحكومي الضخم ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي في البلاد والتركيز على القطاع غير النفطي، لا سيما القطاع الخاص، لتحقيق التنوع الاقتصادي.
وأكد محللون ومتخصصون اقتصاديون، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، أن ميزانية العام المالي تعكس الإصلاحات الهيكلية والمالية الاستباقية التي اتخذتها الحكومة السعودية لتعزيز قدرة اقتصادها على مواجهة التحديات والتطورات الاقتصادية، وهو ما يظهر جلياً في مواصلة تحقيق معدلات نمو للناتج المحلي وتحسن أداء القطاع غير النفطي وتوجيه الإنفاق التوسعي لتسريع تنفيذ البرامج والمشاريع الكبرى.
وعلى خلفية زيادة الإنفاق وتخفيضات إنتاج النفط تتوقع السعودية تسجيل عجز في الميزانية بنحو اثنين في المئة هذا العام بعد أن كانت تتوقع فائضاً، وتتوقع تسجيل عجز نسبته 1.9 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وفقاً لبيان تمهيدي للميزانية صادر عن وزارة المالية.
وبحسب البيان، من المتوقع أن يبلغ إجمالي النفقات نحو 1.25 تريليون ريال (333.8 مليار دولار) في العام المقبل، فيما تبلغ الإيرادات نحو 1.17 تريليون ريال (312.7 مليار دولار)، بعجز محتمل قدره 79 مليار ريال (21 مليار دولار).
ورفعت السعودية نفقاتها للعام الحالي بنحو 13 في المئة عما كان مقدراً عند إعلان الموازنة في نهاية 2022، لتبلغ 1.262 تريليون ريال (336.5 مليار دولار)، فيما كانت تقدرها بـ1.114 تريليون ريال (297.1 مليار دولار).
يتزامن ارتفاع المصروفات الحكومية مع زيادة الإنفاق على المشاريع الحكومية الضخمة وتسريعها، بجانب منظومة الدعم الاجتماعي لضمان حماية المواطنين من التأثر بالتداعيات المحلية والعالمية، ودعم السلع والخدمات الأساس المستوردة.
وبحسب البيان، من المتوقع ارتفاع الإيرادات خلال 2023 بنحو أربعة في المئة عما كانت الإيرادات مقدرة، لتبلغ 1.18 تريليون ريال (314.7 مليار دولار)، فيما كانت التقديرات السابقة 1.13 تريليون ريال (301.3 مليار دولار).
وتزامن ارتفاع الإيرادات مع الطفرة الكبيرة للعوائد غير النفطية لتكون مكوناً رئيساً ضمن دخل الدولة نتيجة برامج حكومية محفزة ضمن “رؤية السعودية 2030″، والهادفة إلى تنويع مصادر الدخل واستدامتها على المديين المتوسط والطويل.
ويأتي ارتفاع الإيرادات على رغم تراجع أسعار النفط بالمقارنة مع العام الماضي، إضافة إلى خفض السعودية إنتاجها من النفط ضمن اتفاق تحالف “أوبك+”.
وعلى جانبي الفائض أو العجز، من المتوقع أن تسجل الميزانية عجزاً بقيمة 82 مليار ريال (21.87 مليار دولار) مقابل تقديرات بفائض بنحو 16 مليار ريال (4.3 مليار دولار)، نتيجة لارتفاع الإنفاق بوتيرة أعلى من الإيرادات.
خفض توقعات النمو
وخفضت السعودية توقعاتها لنمو الناتج المحلي إلى 0.03 في المئة خلال 2023 مقارنة بـ3.1 في المئة في التقديرات السابقة، مما أرجعته إلى التخفيض الطوعي لإنتاج النفط، في وقت توقعت فيه نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية 5.9 في المئة، ولكنها توقعت أيضاً أن يسجل النمو 4.4 في المئة في 2024، وصولاً إلى 5.7 في المئة و5.1 في المئة خلال عامي 2025 و2026 على التوالي.
وقال رئيس الأبحاث في شركة “الراجحي المالية” مازن السديري إنه استناداً إلى أرقام الموازنة الحكومية فإن الإيرادات التقديرية في موازنة 2023 من المحتمل أن تكون مبنية على سعر برميل خام “برنت” يبلغ 82 دولاراً للبرميل.
واعتبر السديري أن زيادة الإنفاق، لا سيما على قطاعات الدفاع والتعليم والصحة، لعبت دوراً في تحويل الفائض المتوقع إلى عجز، مضيفاً أنه من المتوقع أن تشكل الإيرادات غير النفطية دافعاً رئيساً لنمو الاقتصاد السعودي، وهذا ما يدعم زيادة الإنفاق على المدى المتوسط.
وأشار إلى أن تقديرات شركته لأرقام الميزانية في العام الحالي تشير إلى أن 63 في المئة من الإيرادات ستكون من عوائد النفط بقيمة 749 مليار ريال (200 مليار دولار) بفضل الأرباح الإضافية المرتبطة بالأداء من قبل شركة “أرامكو”، و37 في المئة كإيرادات غير نفطية تعادل 440 مليار ريال (117.3 مليار دولار).
وتوقع أن تبلغ إيرادات ميزانية العام الحالي نحو 1.189 تريليون ريال (317 مليار دولار)، والنفقات 1.262 تريليون ريال (336.5 مليار دولار) والعجز 73 مليار ريال (19.5 مليار دولار)، أقل قليلاً من توقعات وزارة المالية بعجز يبلغ 82 مليار ريال (21.87 مليار دولار).
وأوضح السديري أن تسارع وتيرة الإنفاق للعام الحالي يأتي كخطوة استراتيجية من جانب الحكومة ويعكس دعمها أهداف “رؤية 2030″، لافتاً إلى أن الإنفاق الحكومي يلعب دوراً محورياً في تحقيق أهداف الرؤية.
زيادة مستويات الإنفاق
وأشار مازن السديري إلى أن البيان التمهيدي للميزانية السعودية الذي أظهر أهداف إنفاق أعلى يؤكد وجهة نظر شركته بأن النشاط الاقتصادي القوي غير النفطي يساعد على نمو الشركات.
وأضاف أن زيادة مستويات الإنفاق أدت إلى عجز قدره 82 مليار ريال (21.87 مليار دولار) هذا العام مقابل التقديرات السابقة بفائض قدره 16 مليار ريال (4.3 مليار دولار)، والحكومة ليست مدفوعة فقط بإيرادات أعلى ولكن مدعومة أيضاً بمستويات الديون الإضافية، ومع ذلك نلاحظ أن مستوى الدين للناتج المحلي حالياً لا يزال ثابتاً وأقل من متوسط الاقتصادات الناشئة، مرجحاً تمكن الحكومة من الحفاظ على مستويات جيدة من الاحتياط في الربع الثاني من 2023، فيما من المتوقع أن يستمر الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 26 في المئة، مما يظهر أن الحكومة ستتبع نهجاً محافظاً في إدارة مستويات ديونها.
إصلاحات هيكلية ومالية استباقية
من جهته قال الاقتصادي والباحث المالي السعودي محمد الشميمري إن الميزانية السعودية تعكس الإصلاحات الهيكلية والمالية الاستباقية التي اتخذتها الحكومة لتعزيز قدرة اقتصادها على مواجهة التحديات والتطورات الاقتصادية، وهو ما يظهر جلياً في تحسن أداء القطاع غير النفطي وتوجيه الإنفاق التوسعي لتسريع تنفيذ المشروعات الكبرى.
وأضاف أن هناك خلافاً مستمراً بين الاقتصاديين حول ما إذا كان العجز أمراً سلبياً في ميزانيات الدول، حتى وإن استمر هذا العجز لسنوات طوال، فقد لا يؤثر هذا العجز في اقتصاد الدولة في حال السيطرة على مستوياته، وأيضاً في حال ما إذا كان سببه زيادة الإنفاق لتعزيز النمو في الاقتصاد والصرف على البنية التحتية والصحة والتعليم، مؤكداً أن هذا العجز لا يؤثر في متانة الاقتصاد السعودي.
عوامل مؤثرة
من جانبه قال المستشار الاقتصادي في إدارة استراتيجيات الأعمال أحمد الشهري إنه عند النظر إلى العجز المتوقع في العام المقبل يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الميزانية الحكومية تعكس توازناً بين الإيرادات والنفقات، ويمكن أن تتأثر بعديد من العوامل مثل أسعار النفط والتحولات الاقتصادية العالمية التي من بينها التشديد النقدي.
ويرى أنه إذا كانت الإيرادات تنخفض والنفقات تزداد، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث عجز في الميزانية، وهذا طبيعي في ظل مواصلة السعودية سياستها الإنفاقية وهي سياسة مقاومة للتراجع الاقتصادي الذي يشهده العالم بصفة عامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن الحكومة السعودية تعمل على التنويع في مصادر الإيرادات وتعزيز القطاعات الأخرى مثل السياحة والترفيه والتكنولوجيا، بهدف تعزيز النمو المستدام وتحقيق التنمية الاقتصادية على المدى الطويل.
وأضاف أنه من الملاحظ زيادة النفقات العامة وتراجع الإيرادات في الأعوام المقبلة، والسبب وراء ذلك أن هناك استثمارات كبيرة تجريها الحكومة في مشاريع تنموية طويلة الأجل، مما يؤدي إلى زيادة النفقات في تلك الفترة، وقد يتم توجيه هذه الاستثمارات لتعزيز البنية التحتية أو تنمية القطاعات غير النفطية التي تعد مكوناً أساساً في “رؤية 2030”.
وتابع الشهري “مع ذلك يعتبر التوازن المالي مهماً لاستدامة النمو الاقتصادي، ولهذا تتخذ الحكومة السعودية إجراءات لتعزيز الإيرادات المستقبلية وتحقيق التوازن في الميزانية. يمكن أن تشمل هذه الإجراءات تنويع مصادر الإيرادات وتعزيز قدرات القطاع الخاص وتحسين كفاءة الإنفاق العام”.
وأضاف الشهري أن الاقتصاد السعودي يستهدف على المدى الطويل التحول والتنويع وتحقيق “رؤية 2030″، التي تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة وتنويع الاقتصاد، والمسؤولون يراقبون من كثب تنفيذ السياسات الاقتصادية والإصلاحات التي يتم تنفيذها لتعزيز الاستقرار المالي وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية على المدى الطويل، فالسعودية تسير في مسار إيجابي وفعال من أجل استدامة اقتصادها.