الابتكار .. قاطرة التنمية المستدامة
يعني مفهوم الابتكار، جميع العمليات الإبداعية الاستشرافية التي ينتج عنها تصور جديد سواء كان كليا أو جزئيا، ويعني كذلك المستقبل بوصفه تجربة مستقبلية جديدة ومبتكرة، وعنوانا للتنمية المستدامة، إذ لا يمكن إيجاد بيئة مواتية للابتكار دون استيعاب الفرد أو المجتمع الذي يتبنى العملية الابتكارية لأهمية الابتكار ومواكبة ومضاته ومراحله، إضافة إلى الإيمان بضرورة توافر الإمكانات المادية والعلمية والبحثية التطويرية، كما لا يمكن للابتكار والنمو الانتقال إلى مرحلة التنفيذ والتطبيق ومن ثم الممارسة والانتشار والتجديد دون عامل حيوي ومهم.
هو تلك الأفكار الإبداعية الخلاقة التي تعد المحرك الحقيقي، ولا سيما أن الواقع يؤكد أن الأمم والدول الكبرى التي احتلت رأس قوائم الأكثر ابتكارا على مستوى العالم، اجتهدت واستشرفت المستقبل بتحدياته وتغييراته وتطوراته، التي رأتها تتواتر بمعدلات متسارعة، تجاوزت قدرات العقل في أغلبها، فقررت اتخاذ الابتكار الفاعل والحيوي بمختلف وسائله وأدواته منهجا وطريقة مثلى وحيوية نحو التطور والتقدم والنماء ومنافسة الأمم الأخرى في مضمار الحضارة والتقنية والرقي دون الاكتفاء بالمناهج والسبل التنموية القديمة.
والمتأمل والراصد للتاريخ، يجد أن معظم المخترعات القديمة حتى عصرنا الحاضر، قد خضعت إلى مراحل متواصلة من الابتكار وظلت دوراتها متوالية ومتطورة وفاعلة في مجتمعاتنا الإنسانية. كما تتضح أهمية الابتكار وحتميته والحاجة الماسة والشديدة إليه وأهمية نمائه وضرورة دعم برامجه وتعليمه، لأن حياة البشر كافة، إنما تعتمد على الحضور الفاعل للابتكار، وتطوره المستدام بشكل متواصل فما يميز الابتكار شموليته وعموميته ومشاعه بين الجميع، الذي يتعزز حضوره في مختلف تفاصيل حياتنا، لكونه ليس خاصا بفئة دون سواها، ولا يعتمد على خصائص محددة، مثل الموهبة والإبداع ونحوهما، إنما على العلم والعمل والتفكير والمعلومات وكيفية التعامل معها ومعالجتها بما يجعل كل إنسان مبتكرا محتملا بواسطة الاهتمام بالعلم والمعرفة والبحث والتطوير، والتقنية وإدارة عملية الابتكار وخصائصه، بواسطة استراتيجية التوسع المرحلي، القائمة على فكرة الإدارة في مراحل مختلفة: الطموح وإثبات المفاهيم، إذ إن الطموح يعد بمنزلة الوقود، أو المحرك القوي نحو إجراء عمليات ابتكارية معقدة تحتاج إلى الصبر والمثابرة من أجل تحقيق نجاحات متتالية غير مسبوقة.
فيما يعني التركيز على إثبات مفاهيم حقيقة عمل الفكرة من عدمها. وكذا استنادا إلى المشروع التجريبي خلال فترة زمنية أوسع، يتم تطبيقها في تجربة تشابه وتحاكي البيئة المستهدفة ثم التوسع، التي تنفذ على فترات زمنية موسعة وتكون في البيئة الحقيقية بحيث يكون الانتقال من مرحلة إلى أخرى قائما على عوامل جوهرية، تشبه منحنى ينمو باطراد بين عاملي الوقت ونطاق العمل، لأن كل مرحلة ونتائجها تخدم المرحلة التي تليها. وعليه يتم التحقق من الأفكار وإيجاد الأجوبة المنشودة من خلال التنفيذ الميداني بهذه الاستراتيجية لاختبار هذه الأفكار.
ولا شك في أن العالم أدرك أهمية الابتكار، بعد أن كان اهتمامه منصبا على الاختراع فحسب، الذي يعد إحدى مراحل الابتكار أو جزءا من العملية الابتكارية حيث يكمن الفارق بينهما في أن الاختراع، يعد إيجادا لمنتج أو ربما جهاز فريد من نوعه، في الوقت الذي يعني فيه الابتكار، إخضاع أي عناصر إنتاجية على أرض الواقع لتغييرات وتحديثات وتطويرات، تجعلها أكثر فائدة في التوظيف وسهولة في الاستخدام، ما عزز قدرات البشر على مواكبة التطويرات الحاصلة في مجتمعاتهم والاستجابة للتغيرات المدهشة التي تحدث على كوكبهم، وضاعف إمكاناتهم في اكتشاف مزيد من الفرص وتعظيمها، وأصبح الاهتمام واقعا ملموسا، حيث نجد أن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 2015، اعتمدت أهداف التنمية المستدامة Sustainable Development Goals: SDGs، وتشمل 17 هدفا، وتعرف كذلك باسم الأهداف العالمية، وهي أهداف مترابطة ومتكاملة ومتوازنة وتشمل تطوير كل ما من شأنه يضمن سلامة وازدهار ورفاهية الجميع، واستدامة ذلك سواء كان ذلك اجتماعيا أو اقتصاديا أو بيئيا، من خلال خطط استراتيجية وبرامج مدروسة في هذا الشأن وواقعية، ومعتمدة في ذلك على الابتكارات النوعية الفاعلة في سبيل تحقيق ذلك، وأوجدت عديدا من البرامج في هذا الصدد، ومنها على سبيل المثال، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي United Nations Development Programme: UNDP، حيث يوجد في عديد من الدول ويلعب دورا مهما في مساعدتها، من خلال وضع سياسات الابتكار الداعمة لتحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية المستدامة.
وفي إطار أهداف التنمية المستدامة، نجد في المملكة وفي ظل توجيهات وإشراف قيادتها، أطلقت رؤية 2030 لاستغلال واستثمار جميع مكامن القوة العديدة التي حبا الله بها هذا البلد، من موقع استراتيجي مميز ومكانة عربية وإسلامية وقوة اقتصادية، وجعلت لذلك برامج ومبادرات بخطط طموحة لتنمية مستدامة في جميع المجالات، يسعى من خلالها إلى تحقيق اقتصاد معرفي مزدهر مستدام قائم على البحث والتطوير والابتكار، إدراكا منها، أنه لا سبيل للتقدم والتطور والازدهار دون ابتكار فهو بمنزلة قاطرة للتنمية ليس ذلك فحسب وإنما لاستدامتها أيضا.
Source link